أولا ـ العامة

أولا ـ العامة

فتحت دفتر الغريب على فصله الأول، فوجدت عنوانه (العامة)، فقلت: من تقصد بالعامة؟

قال: أقصد بهم أولئك البسطاء الذين لم تسجل أسماؤهم في دفاتير المؤرخين مع أنهم هم الذين صنعوا التاريخ.

قلت: لقد كان هذا الصنف من الناس أكثر من اتبع الرسل.

قال: لأنه لم يكن لديهم من السلطان ما يخافون عليه، فلذلك لم ينحجبوا بما انحجب به غيرهم.

كان أول اسم سجله الغريب في هذا الفصل اسم (الراعي)، فسألته عنه، فقال: هذا (الراعي).. وهو أول من رأيت حرارة الصدق في كلماتهم.. فلذلك كان أول من سجلت اسمه في هذا الدفتر.. والذي كان في ذلك الحين خاليا من أي عنوان.

قلت: فحدثني حديثه.

قال: في ذلك اليوم من أيام الربيع.. وفي بلدي الذي ولدت فيه.. وبعد لقياي لمعلم السلام وإقناعه لي بتخصيص دفتر للكلمات الصادقة الصادرة عن القلوب المخلصة، خرجت إلى الحقول المجاورة لأتنسم عطر الهواء الذي لم يدنس بالمداخن، ولألتقي بالبشر الذين لم تخرجهم الحضارة عن فطرتهم.

وفي ذلك الحقل، التقيت ذلك الراعي الصادق الذي كان يمتلئ شوقا لمحمد.

لقد وجدته جالسا بجنب نعجاته من غير أن يراه أحد، أو يسمعه أحد، وهو ينشدها بصوت عذب قول الشاعر:

يا حبيباً علم الوجد هواه
 
ياتراني بعد صبر هل أراه؟
  
يا جميلا ليس خلق في البرايا
 
قط مثل أو قريب من بهاهُ
  
بان في الأفلاك بدر أو هلال
 
يسلب الألباب بعض من سناه
  
ليس حسن في البرايا أو جمال
 
أو بديع من جمال ما عداه
  
يا حبيبا لست أدري كيف أوفي
 
قدره العالي وفيضا من عطاه
  
ذاك قلبي هام وجداً يا حبيبي
 
والهوى في وجدكم حقا سباه
  
يا دموعا ذارفات في الليالي
 
هل لقاءُ في تعيم منتهاه
  
يا لسعدي ساعة اللقيا بحبي
 
يا حبيبا حق سعدي في حماه!
  
كيف أسلو يا حبيبا في فؤادي
 
جاوز الأحباب عشقا فاكتواه
  
كيف أسلو والحنايا لم تزل
 
ترقب الوصل ووصلي لا أراه ُ!
  
يا ليال ذبت فيها من هواكم
 
والتياعي يا حبيبي من شِفاه؟
  
طال بعدي بت ليلي من هواكم
 
ضج قلبي هائما دمعي ذراه
  
مال قلبي نحو حب ليس فيه
 
غضة للقلب رقراق نقاهُ!
  
كلما همت وزاد الحب فيكم
 
زاد سعدي بالغاً بي منتهاهُ
  
كيف لا والوعد منكم يا حبيبي
 
أن ينال محبكم حقا مناه
  

اقتربت منه، وقد هزني إنشاده، فقلت: أنت عربي.. لاشك في ذلك.

قال: لا.. بل أنا ألماني.. نبتت شجرتي في هذه البلاد.

قلت: ولكن أشجار هذه البلاد لا تتقن العربية.

قال: لقد شوقني في العربية حبيبي الذي همت به.. فضبطت لساني على موجات لسانه، كما ضبطت قلبي على ترددات محبته.

قلت: عهدي بالمحبين في بلادنا يتلاقون بمحبوبيهم كما يشتهون.. ولا يقتنعون بما تقتنع به من ترديد الأشعار.

قال: ومن قال لك بأن حبي قد غاب عني.. إنه معي.

قلت: ولكني لا أراه.

قال: فأنت إذن لا تبصر.

قلت: بل أبصر.. وأنا لا أرى أمامك إلا نعجاتك.

قال: لو نظرت إلى إنسان عيني لرأيته، ولو حدقت في سويداء قلبي لوجدته مستويا على عرشه.

قلت: لا طاقة لي بفك ألغازك، فحدثني عن حقيقة أمرك.. أخبرني عن حبيبك الذي ملكته قلبك وعقلك وروحك.

قال: محمد هو حبيبي الذي ملك علي عقلي وقلبي وروحي وجميع كياني.

قلت متعجبا: محمد !؟

قال: أجل.. محمد..

ثم راح ينشد بصوت عذب قصيدة البوصيري:

محمد أشرف الأعراب والعجم
 
محمد خير من يمشي على قدم
  
محمد باسط المعروف جامعه
 
محمد صاحب الإحسان والكرم
  
محمد تاج رسل الله قاطبة
 
محمد صادق الأقوال والكلم
  
محمد ثابت الميثاق حافظه
 
محمد طيب الأخلاق والشيم
  
محمد رويت بالنور طينته
 
محمد لم يزل نورا من القدم
  
محمد حاكم بالعدل ذو شرف
 
محمد معدن الإنعام والحكم
  
محمد خير خلق الله من مضر
 
محمد خير رسل الله كلهم
  
محمد دينه حق ندين به
 
محمد مجملا حقا على علم
  
محمد ذكره روح لأنفسنا
 
محمد شكره فرض على الأمم
  
محمد زينة الدنيا وبهجتها
 
محمد كاشف الغمات والظلم
  
محمد سيد طابت مناقبه
 
محمد صاغه الرحمن بالنعم
  
محمد صفوة الباري وخيرته
 
محمد طاهر من سائر التهم
  
محمد ضاحك للضيف مكرمه
 
محمد جاره والله لم يضم
  
محمد طابت الدنيا ببعثته
 
محمد جاء بالآيات والحكم
  
محمد يوم بعث الناس شافعنا
 
محمد نوره الهادي من الظلم
  
محمد قائم لله ذوهمم
 
محمد خاتم للرسل كلهم
  

قلت: فكيف اهتديت إلى محمد، وأنت من هذه البلاد التي لا تعرف محمدا.

غضب، وقال: كل البلاد تعرف محمدا.. بل كل الأشجار والحجارة والتربة تعرف محمدا.

قلت: أحدثك عن البشر.. لا عن الأشجار والحجارة.. فأخبرني خبرك.

قال: قصتي طويلة..

قلت: فقصها علي.

قال: سأقص عليك منها ما تحتاجه.. وأرغب بك عما لا تحتاجه.

قلت: كلي آذان صاغية لك.

قال: لقد وقعت في عز شبابي ضحية لشباك الحب المدنس..

قلت: ما الحب المدنس؟

قال: ذلك الحب الذي يتغنى به قومنا.. فيملؤون عروش قلوبهم بالمستنقعات الأسنة.

قلت: فكيف نجوت منه.. عهدي بمن يقع فيه يلم به ما ألم بالمجنون من الجنون، أو ما ألم بعروة ةإخوانه من الموت.

قال: تلك قصتي مع حبيبي محمد.

قلت: لم أفهم.

قال: لقد أذاقتني محبوبتي التي أسلمتها روحي من ألوان الهوان ما امتلأت به مرارة، فبعت لأجلها كل ما أملك، وأرضيتها بكل ما أطقت أن أرضيها به، فلما نفذ ما عندي من مال ومتاع هجرتني.. بل باعتني لمن يملك ما لا أملك، ويقدر على ما لا أقدر.

قلت: فكيف نجوت من خنادق الهوى الوعرة؟

قال: بمحمد.

قلت: كيف ذلك؟

قال: في تلك الأيام ظهر لي أن أسافر إلى اليمن.. ولست أدري كيف لاح لي ذلك الخاطر.. وقد كانت تلك الأيام تزدهي بميلاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. فكانت الأفراح في كل جانب، وكانت القصائد العذبة تمتلئ بها الحناجر والأسماع.. وكنت أرى الفرحة تمتلئ بها القلوب غير شاعرة بتلك الفاقة التي تصيح بها الأجساد.

لقد أثرت في تلك المشاهد مع كوني لم أكن أعرف من العربية إلا ما أحتاجه في معاملاتي الضرورية.

قلت: فكيف فهمت ما يقولون؟

قال: حرارة الصدق والإخلاص جعلتني أستوعب كل ما يذكرونه، بل أعيه وعيا تاما.

قلت: أكان ذلك وحده هو الذي أنقذك من شباك الحب المدنس؟

قال: كان ذلك هو الباب.. وكانت تلك هي البداية.. لقد كان الإخلاص والصدق هو الذي جعلني أنضم إلى تلك المجالس، وأجلس معها، وأحاول أن أستشعر المشاعر المقدسة التي تستشعرها..

لقد كان كل كل هدفي أن أنسى من جرعتني السموم.. ولم أكن أعلم أن الله الرحيم الرحمن يدخر لي كل ذلك الفضل.

قلت: لم أفهم.

قال: في مجلس من تلك المجالس لاحت أنوار عظيمة غسلت جميع أدران قلبي، ومحت جميع ظلماته.. لقد كانت أنوارا لذيذة وجميلة لا يمكن وصفها.

قلت: أنوار من تلك؟

قال: أنوار الشمس التي لا تغيب..

قلت: لم أفهم..

قال: لم يكن دليلي إلى محمد إلا محمد.

قلت: لا زلت لا أفهم.

قال: أنا لست فيلسوفا، ولا لي قدرة على الجدل، ولا على البحث المضني.. ولكن مع ذلك لي قدرة على تلمس الصدق والإخلاص.. وقد رأيت في محمد منهما كل ما يملأ القلب بالمحبة السامية.

قلت: والمسيح !؟.. ألم تكن مسيحيا؟

قال: بلى.. ولا أرى أن حبي للمسيح يغني عن حبي لمحمد.. ذلك أني لم أصل للمسيح إلا بعد أن وصلت لمحمد.

قلت: كيف تقول ذلك، ومحمد جاء بعد المسيح.

قال: لقد عرض للمسيح قطاع طرق كثيرون شوهوه.. ولم يعد للمسيح جماله ولا كماله غير محمد.

قلت: فكيف تعلمت العربية.. وعلى من تعلمتها؟

قال: علمتني المحبة.. لقد جعلتني تلك العيون الصادقة أتعلم من غير معلم.

قلت: لقد رأيتك تردد أشعارا بليغة.

قال: تلك الأشعار من تلك المجالس.. لقد كنت جالسا في أحد تلك المجالس الآن.

قلت: أنت هنا الآن.

قال: أنا لم أخرج من هناك.. ويستحيل على قلبي أن يفارق مواطن الأحبة.

قلت: ونعجاتك؟

قال: هي لا تشغلني.. بل لو اجتمع الخلق جميعا على أن يشغلوني فلن يشغلوني.

قال ذلك، ثم انصرف إلى نعحاته، وهو يشدو بقول الشاعر:

دارُ الحبيبِ أحقُّ أن تهواها
 
وتَحِنُّ من طربٍ إلى ذِكراها
  
وعلى الجفونِ إذا هممتَ بزورَةٍ
 
يا ابن الكرامِ عليك أن تغشاها
  
فلأنتَ أنتَ إذا حللت بطيبةٍ
 
وظللتَ ترتعُ في ظِلال رُباها
  
مغنى الجمال من الخواطرِ والتي
 
سلبت ْ قلوبَ العاشقين حلاها
  
لا تحسبِ المِسكَ الذَكيّ كتُربها
 
هيهاتَ أين المسكُ من رياها
  
طابت فان تبغي لطيبٍ يا فتى
 
فأدم على الساعات لثم ثراهها
  
وابشر ففي الخبر الصحيح تقررا
 
إن الإله بطيبة سماها
  
وبهذه ظهرت مزيةٌُ طيبةٍ
 
فغدت وكل الفضل في معناها
  
حتى لقد خُصت بهجرة حِبِّهِ
 
الله شرفها بِهِ وحَباها
  
ما بين قبرٍ للنبي ومنبرٍ
 
حيا الإلهُ رسولَه وسقاها
  
هذي محاسِنها فهلل من عاشقٍ
 
كَلِفٍ شَجِيٍّ ناحلٍ بنواها
  
إني لأرهبُ من توقع بينها
 
فيظل قلبي مُجعاً أواها
  
بجوارِ أوفى العالمين بذمةٍ
 
وأعز من بالقرب منه يُباهى
  
من جاء بالآيات والنورِ الذي
 
داوى القلوب من العَمى فَشفاها
  
أولى الأنامِ بخطة الشرفِ التي
 
تدعى الوسيلة خير من يُعطاها
  
إنسانُ عين الكونِ شرفِ التي
 
تدعى الوسيلة خير من يُعطاها
  
حسبي فلستُ أفي ببعضِ صِفاته
 
لو أن لي عدد الورى أفواها
  
كثرت محاسنه فأعجز حصرها
 
فغدت وما تلقى لها أشباها
  

 سالت دموع حارة من عيني الغريب، وهو يحدثني عن قصة هذا الراعي، فقلت: أرى أن هذا الراعي قد أثر فيك أيما تأثير؟

قال: أجل.. في ذلك المساء سطرت في هذا الكراس أول اسم من أسماء الصدق.. وفي ذلك اليوم عنونت هذا الدفتر بهذا العنوان، وقد كنت أحسب أني سأضع دفاتر أخرى لشخصيات أخرى.. ولكني كلما هممت بذلك انصرفت إلى محمد.

قلت: أراك وضعت في هذا الفصل أسماء كثيرة؟

قال: كل هؤلاء من العامة البسطاء الذين أتيح لي أن ألتقي بهم، وأحادثهم عن سر إقبالهم على محمد ودين محمد.

قلت: كيف أتيح لك ذلك؟

قال: لقد لاحظت مراكز الدراسات المختلفة ـ والتي تزود الفاتيكان بما يحتاجه من معلومات ـ الإقبال الشديد على الإسلام رغم التشويهات الكثيرة التي تناله من وسائل الإعلام، وقد دفع ذلك الكنيسة إلى تكليفي بالبحث عن هؤلاء المسلمين الجدد والتحاور معهم لنعرف سر الإقبال الشديد على الإسلام.

قلت: لقد أتيحت لك فرصة عظيمة إذن؟

قال: أجل.. لقد كانت هذه فرصة لا تعوض.. فقد أتيح لي أن ألتقي بأكبر عدد من المسلمين الجدد، والذين فتحوا لي قلوبهم، وحدثوني بكل إخلاص عن رحلتهم إلى الإسلام ([1]).

قلت: في أي بلد تمكنت من لقائهم؟

قال: في بلاد كثيرة .. فأنت تعلم سخاء الكنيسة.

قلت: فقد استغللت سخاء الكنيسة إذن؟

قال: لا.. لقد كنت صادقا معها.. ولكن صدقي مع الحق كان أعظم من صدقي معها، فلذلك انشغلت بالبحث عن أسرار الصدق عن البحث الذي طلبته مني الكنيسة، وأحسبني قد عملت بإخلاص، ولم أتقاض على ذلك إلا ما هو حق لي.

قلت: لم أفهم.

قال: لقد أريد من تلك الأموال التي صرفت على رحلاتي أن أسمع الحقائق من أهلها، وأنقلها بكل صدق وموضوعية، وأحسبني لم أفعل إلا ذلك.

الفتى عماد:

قلبت دفتر الغريب في هذا الفصل، فرأيت اسم (الفتى عماد)([2])، فسألت الغريب عنه، فقال: قصة هذا الفتى مع الإسلام طويلة، ولا يمكنني في هذا المجلس أن أحدثك عنها جميعا، ولهذا سأكتفي باختصارها لك أو ذكر ما تمس إليه الحاجة فقط منها.

قلت: فمن حدثك بها؟

قال: الشاب عماد نفسه.. لقد أتيحت لي فرصة قدمت له فيها ـ بفضل الله ـ بعض الخدمات، وقد ارتاح إلي، وأخبرني عن قصته بتفاصيلها.

قلت: فحدثتني بما وعدتني منها.

قال: لقد بدأ هذا الشاب الطيب الذي أنار الإسلام عقله وقلبه حديثه بحمد الله على نعمة الإسلام، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي جعله الله واسطة لتلك النعمة، ثم أخذ يحدثني عن أسرته قبل الإسلام وبعد الإسلام، فقال: كانت أسرتي تتكون مني وأختي وأمي وأبي.. أربعة أفراد فقط وكانت أسرة نصرانية متدينة تواظب على دروس الكنيسة وتؤدي العبادات النصرانية بانتظام، وكنت أختلف إلى دروس الكنيسة مع أسرتي وكنت أواظب على أداء الصلوات.. وقد كان أول ما هداني الله به إلى الإسلام أمي.

قلت: أكانت أمه مسلمة؟

قال: لا.. ولكنها كانت سبب دخوله الإسلام.. لقد ذكر لي هذا الشاب الفاضل أنه شعر بتوجه أمه نحو الإسلام وميلها إليه، وقد اكتشف ذلك من خلال تعلقها بدرس التفسير الأسبوعي للشيخ محمد متولي الشعراوي – رحمه الله – فيقول: (لاحظت أن لحديث الشيخ الشعراوي الأسبوعي أثرًا أشبه بالرعد في آذان المتعصبين من النصارى، وساعة الحديث الأسبوعي ساعة نحس عندهم، وتمثل عبئًا نفسيًا ومعاناة لهم، بيد أن الأمر كان مختلفًا مع أمي كل الاختلاف حيث كنت أراها تفتح التلفاز وتشاهد درس الشيخ الشعراوي الأسبوعي يوم الجمعة فأسألها دهشا: ماذا تصنعين ؟! فتجيب قائلة: أتابع هذا الشيخ لأنظر ماذا يقول؟ وأسمعه ربما يخرف!.. ولم أكن أدري أن ردها عليّ وقتها كان من باب التمويه حتى لا أخبر أبي([3])!

وهناك برنامج آخر كانت تتابعه أمي، وهو برنامج (ندوة للرأي) أراها تشاهده، فلما أنكر عليها ذلك مستفسرًا ترد قائلة: أشاهد وأسمع لأرى ما يقوله هؤلاء العلماء عن النصرانية والنصارى!فأسمع جوابها دون تعليق.. وأواصل مراقبتها، وكانت أمي سمحة المعاملة لطيفة المعشر، وكادت في معاملتها تبدو أقرب للإسلام والمسلمين، حتى أن أحد القساوسة سبّها ذات مرة، لأنها قالت أمامه: (والنبي) على طريقة العامة من المسلمين في مصر، فسبّها القس ونهرها قائلاً لها: أي نبي ذلك الذي تقصدين ؟! وعنفها حتى سالت الدموع من عينها.

ولما فكرت أمي في الإسلام، استدعتني ذات مرة وقالت لي: تعال يا عماد أنت ابني الوحيد ولن أجد أحدًا يسترني غيرك! فقلت لها خيرًا يا أمي، فقالت: أنت ابني الكبير وأنا مهما كانت الأمور وفي كل الأحوال أمك.. ومن المستحيل أن تتخلى عني أو ترميني في التهلكة، فقلت لها: نعم يا أمي. فقالت: ماذا تفعل لو أن أهلك قالوا عني كلامًا سيئًا ورموني بتهم باطلة ؟! فقلت لها: ولم يفعلون ذلك وهم جميعا يحبونك. قالت: ماذا تفعل لو حاولوا قتلي والتخلص مني؟فقلت لها: كيف ذلك؟ولم يحاولون قتلك وهم يحبونك ؟! قالت: ماذا تفعل لو صرت مسلمة؟هل ستحاربني مثلما الحال مع أبيك وأعمامك وأخوالك وأقاربك ؟! فكانت إجابتي لها: الأم هي الأم، وأنت أمي في كل الأحوال.

قلت ذلك.. ولكن نفسي كانت ممتلئة بالمخاوف عليها، وقوّى ذلك لدي كثرة مشاجرتها مع أبي في شأن رغبتها في اعتناق الإسلام.. وكان أبي يغضب من تهديدها بترك النصرانية ويتحداها أن تعتنق الإسلام.

وذات يوم عدت إلى المنزل قادمًا من المدرسة، فلم أجد أمي، فأخذت أسأل عنها في كل مكان يمكن أن تذهب إليه … وكانت الصدمة أني وجدت أنها أعلنت إسلامها أمام الجهات المسؤولة، وأنها لن تعود إلى البيت أبدًا..

لقد جن جنون العائلة كلها وفقدت توازنها وصارت تقول في الإسلام والمسلمين كل ما يمكن أن يقال من ألفاظ السباب واللعن والتهديد والوعيد وصار الجميع من أخوال وأعمام فضلاً عن الأب في حالة عصبية انفعالية في الكلام والسلوك فهم غاضبون من كل شئ ومن أي شئ …

وكنت أستمع إلى الشتائم توجه إلى أمي من الأقارب والأخوال والأعمام، فمن قائل: إنها كانت تشبه المسلمين في كذا وكذا، وهذا الخال يوجه كلامه إلي قائلاً: (انظر كيف تركتكم، وتخلت عنك وعن أختك ؟! انظروا من سوف يرعاكم ويقوم على تربيتكم ؟!).. أما العم فقد كان يقول كلامًا مشابهاً ويقول موجهاً كلامه لي ولأختي: (ترى لو ذهبت أنت وأختك إليها وتوسلتما إليها وبكيتما بين يديها.. هل ترجع إليكم؟!)

وكان العم يذهب إليها في الجهات المختصة ليوقع الإقرار تلو الإقرار بعدم التعرض لها.. وأحيانًا كان يلقاها ويستعطفها كي تعود إلى ولديها لشدة حاجتهما إليها، ولكن أمي رفضت بشدة بعدما ذاقت حلاوة الإسلام والإيمان وأسلمت لله رب العالمين وتركتنا وديعة عند من لا تضيع عنده الودائع سبحانه هو خير حافظٍ وهو أرحم الراحمين، وأيقنت أن الله سوف يحرسنا بعينه ويرعانا برعايته([4]).

قال الغريب: ثم أخبرني هذا الفتى عن بعض البلاء الذي تعرض له بسبب إسلام أمه، ثم كيف بدأ يتلقى أنوار الإسلام، فقال: أخذت العنوان وقفلت راجعًا إلى منزلنا أفكر في الأمر، وبعد يومين أو ثلاثة عزمتُ على زيارة أمي على عنوانها الجديد في موعد يسبق يوم الثلاثاء اللاحق لموقف القس السابق في درس الكنيسة، وبلغت مسكن الوالدة وشاء الله أن يكون ذلك مع أذان المغرب.. وأستمع إلى أذان المغرب وكأني أسمعه لأول مرة برغم سماعي له آلاف المرات ولكن الأذان هذه المرة وقع مغاير تمامًا لما ألفته من قبل.

وتستقبلني أمي أثناء الأذان مرحبةً بي، وأراها وأسمعها تردد الأذان وهي لا تكاد تنتبه لحديثي إليها، وبعد الأذان ذهبت فتطهرت وتوضأت ثم دخلت في صلاتها وجعلت تتلو القرآن في الصلاة بصوت مسموع فكنت لأول مرة أسمع القرآن من أمي، إنها تتلو سورة الإخلاص، وكان لذلك وقع لا يوصف في قلبي وأثر ساحر في نفسي.

إن مشاعري في تلك اللحظة لا أقوى على وصفها، فقد شملني نورٌ ربانيٌ وتملكني شعور غريب تمنيت معه في تلك اللحظة لو جثوت على ركبي وقبلت قدم أمي وهي تصلي، شعرت بشيء ما يغسل قلبي، وداخلني صفاءٌ ونقاءٌ لم أشعر بهما من قبل، أجل إن شعوري في ذلك اليوم لا يمكن وصفه أو التعبير عنه.. إنه روح جديدة تسري في جسدي وعروقي، أحسست بمدى الظلم الذي وقع على أمي من ذلك القس([5]) في درس الثلاثاء الماضي، تمنيت لو خنقته لافترائه على أمي دون وجه حق، لماذا يشوه سيرتها؟! أهذا عدل؟ وهل المسيح أمر بذلك ؟!

ثم حدثني الفتى عن لجوئه إلى الإنجيل ليبحث فيه عن السكينة والهداية والهدوء فيكتشف أنه محرف، وأن القرآن الكريم هو كتاب الله حقًا، هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال: فالإنجيل عندما طالعته وجدته كتابًا كأي كتاب يؤلف في سيرة شخص أو عظيم حيث تطالعك أخبار عن المسيح الذي يأكل والمسيح الذي يشرب والمسيح الذي يموت والمسيح الذي يقوم من الذي يتحدث بهذه الأخبار؟ هل هو الله؟أم هو المسيح ؟! 

إن الإنجيل كتاب كأي كتاب يحكي قصة شخص أكل وشرب ونام، وفعل كذا من المعجزات أو له كذا من المعجزات والخوارق، من المتحدث في كل هذا؟أو من الذي كتب هذه الأخبار بعد وفاة المسيح؟ ولماذا تتعدد الروايات وتختلف وتتناقض أحياناً بتعدد الأناجيل واختلافها، حتى والمسيح على الصليب – كما يزعمون – ينادي: (إيلي إيلي لماذا؟ شبقتني !)

أي: إلهي إلهي لماذا تركتني وخذلتني ؟! لماذا؟ينادي مَنْ؟وهو من؟وكيف يتخلى الأب عن ابنه وهو يستصرخه ويستنصره ويستنجد بـه ؟! أهذا منطق؟! أسئلة كثيرة رَسمتْ أمامي علامات استفهام كبيرة.

وقد أصاب الفتى الملل من قراءة الإنجيل ـ كما يحكي ـ لأن قراءته الإنجيل ضاعفت من حيرته ولم تجب عن أسئلته، ويمضي الفتى قائلاً: ولكن حرصي على الوصول للحقيقة دفعني لمزيد من المراجعة ومعاودة قراءة الإنجيل مرة أخرى حتى انتهيتُ من قراءته لأصل إلى الاطمئنان النفسي والعقلي والروحي فما وجدت إلا المزيد من الإبهام والغموض، فاشتدت حيرتي حتى طالعت في الإنجيل قول السيد المسيح: (الحق الحق أقول لكم: إن من يتبع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية)

الله أكبر. الله أكبر إذاً جاءت صريحة وعلى لسان المسيح عبارته تلك التي تؤكد أنه رسول من عند الله، فقوله: (الحق. الحق) قسم وقوله: (إن من يتبع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني) تأكيد على أنه رسول من عند الله وقوله: (فله حياة أبدية) أي له الجنة والحياة الخالدة في الجنة.

قلت للبابا: فقد أسلم الفتى بعد هذا إذن؟

قال: أجل.. لقد أسلم.. وأسلمت بعد ذلك عائلته بعد عناء شديد تعرض له، ولكن الله أنقذه بفضله وكرمه كما ينقذ كل صادق ومخلص.

إيفا ماريا:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (إيفا ماريا)، فسألت الغريب عنه، فقال: هذه سيدة ألمانية، وقد التقيت بها في بلدي ألمانيا، وقد حدثتني عن قصة دخولها الإسلام، فقالت: لقد وجدت بادىء الأمر أن صورة المعبود عند النصارى قريبة جداً منا معشر البشر، وقد أضيفت عليها صفات الإنسان لدرجة لا تجعلها تنطبق على خالق كل شىء، كما أن صورة السيد المسيح عليه السلام التى يجمع فيها بين الإنسان وصفة الخالق، هذه الصورة لا يمكن تصديقها أبداً.

إلى جانب ذلك، فقد ورد بخاطرى أن المسيحية ليست إلا علاقة بين الإنسان وربه، ولاشأن لها بأى حال من الأحوال بشئون الناس الاعتيادية كالشئون المالية مثلا أو العمالة أو أى نوع من أنواع التقنين لحياة الناس، أضف إلى ذلك التوجيهات العامة، التى وجدت أنها عسيرة التطبيق، ومن ذلك مبدأ المحبة، محبة الإنسان لأخيه الإنسان، هذا المبدأ لا يمكن أن تطبقه جماهير الناس فى ظل العقيدة النصرانية.

هذه الأفكار التى كانت بخاطرى وقعت إبان الفترة التى تسمى فترة تمرد الطلاب على الرأسمالية، فعندما بحثت هذه القضايا مع زميل مسلم ـ أصبح فيما بعد زوجاً لى ـ وجدت أن الإسلام قد وضع فى اعتباره كل هذه المشكلات، واهتم بها أعظم الاهتمام كمشكلة الاستغلال أو القوانين العامة الديقراطية وغير الديمقراطية ومشكلة المال والإقتصاد وغيرها.. فقد أوجد الإسلام الحلول المناسبة لكافة هذه المشكلات الدنيوية.

وكم كان تأثرى عظيماً حينما علمت أن الإسلام يعترف بالإنسان باعتباره مخلوقاً له روح وجسد فى آن واحد، كما أحببت مبدأ الاتصال المباشر بين الإنسان وخالقه دون أية وساطة من أى نوع بينهما، فقد شعرت أن من اللائق جداً للإنسان أن يخضع لخالقه فقط لا لأى أحد من خلقه.

كذلك شرح لى زميلى المسلم بأنه لا يوجد فى الإسلام أى فصل بين الدين والدولة، فاقتنعت بذلك تماماً، حيث وجدت من الضرورى أن لا يقتصر الإيمان والاعتقاد الدينى على الشئون الشخصية فحسب، بل لابد أن يشمل كافة جوانب الحياة الإنسانية.. وهذه صفة مميزة وخاصية فريدة للدين الإسلامى الحنيف، فهو لا يرفع شعار (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، بل على العكس من ذلك تماماً إذ أن العبادة فى الإسلام لا تقتصر على المساجد، بل تمتد لتشمل الحياة البشرية بأسرها.

سكتت قليلا تسترجع ذكرياتها، ثم قالت: عندما كنت أمر فى هذه المرحلة من تجميع المعلومات والقيام بدراسات دينية صادفت بعض المصاعب والعقبات، وكان عسيراً على نفسى أن أتقبل القيود التى يفرضها الإسلام على المرأة، والتى ظننت خطأ حينذاك أنها تحد من حريتها الشخصية، وهذه على كل حال هى نفس الحرية والتسيب الذى أعتدت أن انتقده فى ديانتى السابقة، وهى حرية يساء فهمها واستخدامها فقد اكتشفت أن الفهم النظرى شىء والتطبيق العلمى شىء آخر تماماً، وأذكر هنا اللباس الإسلامى للمرأة، فقد كان فى البداية مشكلة كبرى بالنسبة لى، وأظن أن هذا ينطبق على معظم السيدات الألمانيات المسلمات، فإلى جانب الإحساس بعدم الارتياح والشعور بالحر الشديد والمرأة فى لباس كامل فى الصيف، فقد كان من العسير على أن أصمد أمام اسئلة التهكم والاحتقار التى كانت توجه لى، وقد استمر ذلك حتى وفقنى الله إلى الرد بإجابات كريمة وردت لى اعتبارى أمام نفسى وأمام الناس، دون أن أحس بأننى قد أوذيت أو أخدش حيائى.

ثم تعرفت على مجموعة من الشابات المسلمات، فكم كان تأثرى عظيماً لما لمسته بين أفرادها من حب وجو أخوى يسود بين الجميع، وهو جو يختلف تماماً عما هو سائد بين أى جماعة عرفتها من قبل، فقد منحنى الانضمام إلى هذه الجماعة الإسلامية إحساساً بالسعادة واليقظة، وهكذا اقتنعت أننى اتخذت القرار الصحيح حين أصبحت مسلمة، وقد كان ذلك الإحساس بمثابة تعويض مناسب لكل ما لقيته من عقبات نتيجة لهذا القرار، ولدينا الآن اجتماع أسبوعى للمرأة المسلمة مع أطفالنا حيث نتعلم المزيد عن ديننا الإسلامى الجديد.

ايريس صفوت:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (إيريس صفوت)([6])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا اسم لسيدة ألمانية أسلمت، وقد التقيت بها وحدثتني عن قصة إسلامها، ومما ذكرته لي قولها: نشأت في أسرة مسيحية علمانية ابتعدت عن الكنيسة، وعندما كنت في سن العاشرة شعرت بأن شيئا ينقصني في حياتي، وفطرتي دائما تشتد نحو الدين وأخذت أبحث لي عن دين، وكنت في ذلك الوقت أقرأ في الكتب عن الإسلام.. ووقتها شعرت بشيء يشدني بقوة إلى الإسلام كدين سماوي يرفع من كيان الانسان ويحمل جميع الفضائل والاخلاق الفاضلة وأخذت اهتم بهذا الدين وتحدثت الى زميلاتي في المدرسة وعن الإسلام وأنني أحب هذا الدين، وحينئذ كنت بلغت الثانية عشرة من عمري، وبالفعل أسلمت وكتمت إسلامي لأن زميلاتي وصفنني بالجنون.

قلت: أسلمت في ذلك السن.. فما كان موقف أسرتك؟

قالت:  في البداية اعتبرت أسرتي أنني أمر بمرحلة اضطراب وتقلب في المزاج..  لكن عندنا في الغرب حرية، واذا بلغ الابناء سن الثالثة عشرة فمن حقهم أن يتصرفوا كيفما شاءوا، ومن حقهم أيضا أن يتركوا أهلهم، ولهذا تركوا لي حرية الديانة.

وعندما وصلت للثانوية العامة، وكان عمري حيئذ ثلاثة عشرة سنة، وذلك عام 1967 وكنت في رحلة الى لندن، ذهبت الى المركز الإسلامي هناك والتقيت بالشيخ محمد الجيوشي (عميد كلية الدعوة الاسبق بجامعة الازهر) وكان اماما للمركز، وقلت له: إنني اريد ان اعلن إسلامي، وأذهب إلى الازهر وأدرس الدين الإسلامي واللغة العربية، كما التقيت بالشيح أحمد حسن الباقوري (وزير الاوقاف المصري الاسبق) في ذلك الحين، ووعدني بالدراسة في الازهر، واعلنت اسلامي أمام الشيخين ونطقت بكلمة التوحيد، وفي عام 1969 سافرت الى مصر، وتعلمت اللغة العربية، ثم عدت الى المانيا لدراسة الماجستير في جامعة كيسين، وفي اثناء دراستي للماجستير تعرفت على شاب مصري كان يدرس في مرحلة الدكتوراه، وتزوجنا وسافرنا عام 1975 إلى مصر وواصلت دراستي للغة العربية، وزادت معرفتي بالإسلام.

قلت لها: لقد مر أكثر من ثلاثين عاما منذ اعتناقك الإسلام.. فهل استطعت إيصال الإسلام إلى أهلك؟

قالت:  منذ اللحظة الاولى لاسلامي، وأنا انتمي لهذا الدين وادعو اليه والحمد لله استطعت ان اقنع اثنين من اقاربي بأن يسلما هم جدتي ورجل آخر من أقاربي، والذين لم يسلموا كنت أعطي لهم فكرة عن الإسلام، وهم عندما يسمعونني كانوا يحترمون الإسلام.

قلت: فعلاقتك بأسرتك جيدة إذن؟

قالت: علاقتي بأسرتي في ألمانيا جيدة منذ أعلنت إسلامي، لأن في المانيا تسامح واحترام لحرية العقيدة، ويعتبرون الدين مسألة شخصية.

سألتها عن أكبر ما جذبها للاسلام، فقالت: قبل ان أعلن اسلامي كنت اقرأ عن شخصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته فأحببت هذه الشخصية كثيرا لما تتميز به من خصال لا توجد في بشر على وجه الارض.

عبدالرحمن محمود داود:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر الغريب في هذا الفصل اسم (عبدالرحمن محمود داود)([7])، فسألت الغريب عنه، فقال: هذا رجل ينحدر من أسرة هندية برهمية، تنصرت على أيدي المبشرين الذين قاموا مع طلائع الاستعمار، وكان كثير القراءة للكتب الدينية، ولما أتيح له أن يطلع على القرآن الكريم كان جوابه هو انتماؤه للإسلام، وقد ذكر ذلك في بعض تصريحاته لمن سألوه، فقال: (تناولت نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، لأنني عرفت أن هذا هو الكتاب المقدس عند المسلمين، فشرعت في قراءته وتدبّر معانيه، لقد استقطب جل اهتمامي، وكم كانت دهشتي عظيمة حين وجدت الإجابة المقنعة عن سؤالي المحيّر: (الهدف من الخلق) في الصفحات الأولى من القرآن الكريم.. لقد قرآت الآيات (30ـ39) من سورة البقرة.. وهي آيات توضح الحقيقة بجلاء لكل دارس منصف، إن هذه الآيات تخبرنا بكل وضوح وجلاء وبطريقة مقنعة عن قصة الخلق)

وقال: (إن دراستي للقرآن الكريم وضحت أمام ناظري العديد من الإشكالات الفكرية وصححت الكثير من التناقضات التي طالعتها في الكتب السماوية السابقة)

وقال: (بفضل دراستي الحرّة البعيدة عن كل تعصّب مقيت أصبح إيماني بهذا الدين [الإسلام] قويًا راسخًا، لقد آمنت برسالة القرآن، وأحسست أن الإسلام هو دين الفطرة والكمال، أنزله الله على قلب آخر الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. لقد اكتشفت أن الإسلام يخاطب الناس مباشرة ودون أية واسطة من أي نوع. من أجل ذلك كان هذا الدين متمشيًا مع الفطرة البشرية)

وقال: (إن الإسلام يخاطب الإنسان الكامل. وهكذا أيقنت أن هذا الدين هو خير الأديان جميعًا. لقد شرعت في التحدث عن معتقداتي الجديدة، حول الإسلام والنصرانية وصارحت بها العديد من العلماء المرموقين والقسس المعروفين، وكنت صريحًا وصادقًا في مناقشاتي معهم. لقد سألت القسس لماذا يخدعون الناس بإخفاء الحقيقة ولا يخبرونهم بوضوح وصدق أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو رسول الله؟ ولما سمعوا مني ذلك غضبوا ولكنهم لم يستطيعوا أن يحيروا جوابًا)


([1])  من أهم مراجعي في أخبار المسلمين الجدد كتاب: رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا، إعداد: عبدالرحمن محمود، وموقع: http://www.newmuslims.tk/

([2])  نقلا عن كتاب: قصة الفتى النصراني الذي اهتدى.. (بتصرف)

([3])  ورد في النصوص ما يدل على جواز اللجوء إلى الكذب في مثل هذه الأحوال من باب الضرورة، فقد جاء في حديث الغلام والراهب والساحر قول الراهب:( إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر ) الحديث رواه مسلم.

([4])  هذا الموقف مع ما فيه من الصدق والإخلاص إلا أن الداخل للإسلام لا ينبغي أن يفرط في أي شيء يرتبط بحياته وبمسؤولياته، بل إن اعتناقه للإسلام لا ينبغي أن يزيده إلا حرصا على هذه المسؤوليات.

([5])  ذكر هذا الشاب في كلام حذفناه أن قسا من القسس اتهم أمه في عرضها، وأنها سجنت من طرف شرطة الآداب.

([6])  انظر: صحيفة الشرق الأوسط 4-10-2002.

([7])  رجال ونساء أسلموا، 7 / 116 – 118.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *