أسرار العدواة

أسرار العدواة

قلت: فحدثني عن السر الأول من أسرار الحياة.. ذلك الذي سماه معلم السلام (العداوة)

قال: لقد شاء الله أن أكتشف أسرار العداوة وعلاقتها بالحياة في بلدة كانت ممتلئة بنيران العدوان..

عندما نزلت فيها كانت رحا حرب عنيفة تدور بينها وبين جارتها.. وكانت الحرب تأكل الأخضر واليابس.. وكان البلدان كلاهما يمسيان ويصبحان على أنباء الدماء المسفوكة والأرض المحروقة.. والجو الممتلئ برائحة الجثث.

كان البلدان ينطقان لسانا واحدا.. ويدينان دينا واحدا.. ولشعبيهما أعراق واحدة وألوان واحدة وتقاليد واحدة.. ولكن مع ذلك اندلعت بينهما حرب ضروس لم تزدها الأيام إلا اشتدادا..

كنت أمر على المقاهي، فأرى الأحقاد والضغائن.. كانت كل أحاديث المقاهي عد سعيد لقتلى الأعداء.. أو عد حزين لقتلاهم..

وكان الشعراء لا ينطقون إلا بهجاء الأعداء وسبهم والسخرية منهم..

وكان الحكماء.. أو من يسميهم الناس حكماء.. لا هم لهم إلا تعديد مثالب الأعداء وحماقتهم وغبائهم وغفلتهم.

وكان الساسة الذين تركوا ألبستهم المدنية.. ولبسوا بدلها ألبستهم العسكرية.. لا يتكلمون إلا بالخطب النارية.. وكانوا بين الحين والحين يطلقون الرصاص في الهواء.. ويطلقون معه من التهديدات المجلجلة ما لا يقل عن أصوات الرصاص.

في تلك البلاد الممتلئة بالأحقاد عرفت سر العداوة من أسرار الحياة..

وكان المبارك الذي جعله الله مفتاحا لحل هذا السر رجل من الصالحين.. رأيته منتحيا ناحية عن الناس، وقد تعجبت إذ رأيت الكل مسرورا بعد أن نزلت الهزيمة في ذلك اليوم بأعدائهم.. بينما رأيت الألم يعتصره اعتصارا، فاقتربت منه، وحاولت أن أستدرجه لأعرف سره.. قلت له: ما بالك.. ألم تسمع بالأخبار السعيدة التي جلبها لنا اليوم المبشرون؟

قال ببرودة: تقصد تلك الدماء التي سفكت.. وتلك الأراضي التي اغتصبت.. وتلك الديار التي دمرت..

قلت: أجل.. ولكنها ديار الأعداء، لا ديارنا.

قال: وأي فرق بين ديارنا وديارهم.. وبلادنا وبلادهم.. وأرضنا وأرضهم..؟

قلت: فرق عظيم.. نحن أبناء وطن واحد.. وهم أعداء لنا.

قال: هب أنك لم تكن ابنا لهذا الوطن، بل كنت ابنا لذلك الذي تفرح الآن بما حصل له.. هل كانت هذه الأفراح ستزور قبلك، أم تلك الابتسامة ستزور شفتيك.

لم أجد ما أقول له، فقال لي، والحزن قد طغا على وجهه: كل ما تراه ليس سوى مظاهر لأعداء أخطر وأعظم.. انشغل الخلق بهم، وتركوا الأعداء الحقيقيين الذين لولاهم ما قامت للحروب سوق.

قلت: فمن هم؟

قال: هم أربعة أعداء.. لم يقم سوق العداوة في الدنيا إلا بسببهم.. ولو أن البشر جميعا تخلوا عن عداواتهم المجازية وانصرفوا إليهم لوجدوا في ذلك الشغل عن ذلك الصراع الذي يطحنهم طحنا.

فرحت إذ سمعته يذكر العداوة المجازية التي ذكرها لي معلم السلام.. فلذلك رحت أقول له: أربعة أعداء؟.. من هؤلاء؟.. دلني عليهم عساني أنشغل بهم.

قال: أنا رجل حبب الله إلي الشعر والنظم.. فلذلك جمعتهم في أبيات قلتها.. لقد قلت في عدهم:

إني بليت بأربع ما سلطوا

   إلا لأجل شقاوتي وعنائي

إبليس والدنيا ونفسي والهوى

   كيف الخلاص وكلهم أعدائي

إبليس يسلك في طريق مهالكي

   والنفس تأمرني بكل بلائي

وأرى الهوى تدعو إليه خواطري

   في ظلمة الشبهات والآرائي

وزخارف الدنيا تقول أما ترى

   حسني وفخر ملابسي وبهائي

قلت: فأعداء الحياة الأربع إذن هم: الشيطان، والدنيا، والنفس، والهوى..؟

قال: أجل.. ولولا هذه الأربع لم تقم في الدنيا عداوة.. ولم يسفك على الأرض دم..

قلت: فكيف انحصر الأعداء عندك في الأربع؟

قال: أنت تعلم أن الله خلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض، وقد زوده من الطاقات ما يستطيع أن يؤدي به هذه الوظيفة.

قلت: أجل.. وقد ذكر الله ذلك في القرآن..

قال: وأنت تعلم أن تلك الطاقات التي زود بها الإنسان يمكن استثمارها في الخير.. ويمكن استثمارها في الشر؟

قلت: أجل.. وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى:{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} (الأحزاب:72).. فقد وصف الله بوصفين هما الظلم والجهالة.. وفي وصفه بالظلم دلالة على قدرته على العدل.. وفي وصفه بالجهالة دلالة على قدرته على الحكمة.

قال: ذلك صحيح.. وقد عبر القرآن الكريم عن تلك الاستعدادت الخبيثة بالنفس الأمارة.

قلت: أجل.. وقد نص على ذلك قوله تعالى:{ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) (يوسف: من الآية53)

قال: فهذا هو العدو الأول.. وهو نفسك التي بين جنبيك..

قلت: عرفت هذا.. فمن العدو الثاني؟

قال: الشيطان..

قلت: أعرف أن الشيطان أقسم على عداوتي.. ولكني محتار في كيفية اختراقه لذاته.

قال: هو لا يخترق ذاتك التي هي حقيقتك.. وإنما يخترق مطامعك التي تمتلئ بها نفسك.. ألا ترى أنه دخل على آدم عليه السلام من هذا الباب؟

قلت: أجل.. لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال:{ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} (طـه:120).. وفي موضع آخر قال تعالى:{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21} (الأعراف)

قال: لقد رأى في آدم عليه السلام حبه للخلود.. وحبه للملك الذي لا يبلى.. فلذلك أتاه من هذا الباب.

قلت: أجل.. وذلك واضح تدل عليه الآية.

قال: فقد عرفت العدو الثاني.. وعلاقته بالعدو الأول.

قلت: فما علاقة العدو الثالث بالعدوين جميعا؟

قال: العدو الثالث هو الدنيا..

قلت: فما علاقتها بالنفس وبالشيطان؟

قال: هل تعرف السر الذي جعل الشيطان يوسوس لآدم عليه السلام في الجنة؟

قلت: أجل.. لقد كان للجنة من الجمال ما جعل آدم عليه السلام يمتلئ قلبه محبة لها وحرصا عليها.. ولذلك استغل الشيطان هذا الحرص، فراح يستثمره في وسوسته.

قال: فالدنيا هي الجنة..

قلت: شتان بين الدنيا والجنة.

قال: صدقت.. ولكن العبرة ـ كما يقول الحكماء ـ بما تراه، لا بالحقيقة.

قلت: ما تعني؟

قال: لقد تخيل البشر ـ بسبب قصورهم ـ أن الدنيا هي كل شيء.. وأنه لا يمكن أن يكون هناك ما هو أجمل منها.

قلت: صدقت.. وقد أشار إلى هذا قوله تعالى:{ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} (فصلت: من الآية15).. وقال عن صاحب الجنة الظالم:{ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً} (الكهف:35)

قال: فالدنيا هي المحل الذي تحصل فيه الوساوس.. كما أن الجنة التي دخل إليها آدم عليه السلام هي المحل الذي حصلت فيه الوساوس.

قلت: فما علاقة العدو الرابع بهؤلاء الأعداء جميعا؟

قال: العدو الرابع هو الأهواء.. الأهواء التي امتلأ بها تاريخ البشرية.. فأصبحت دينا بدل الدين.

قلت: ألا ترجع الأهواء إلى النفوس؟

قال: هناك نفوس بسيطة قد لا تخطر ببالها إلا الوساوس البسيطة.. لكن الأهواء تجعل من النفوس نفوسا معقدة.. وتتيح للشيطان بسبب ذلك من فرص تنفيذ مخططاته ما ييسر عليه مهمته.

قلت: هل تضرب لي مثالا يقرب لي ذلك؟

قال: أقرب مثال لذلك هو ما يحصل هذه الأيام بين الجارتين القريبتين.

قلت: تقصد الحرب الدائرة الآن بينكم وبين الدولة المجاورة.

قال: أجل.. فلولا الأهواء لم تقم بيننا أي حرب.

قلت: لم أفهم.

قال: أذكر جيدا أننا كنا في شبابنا نعيش مع من نسميهم الآن أعداءنا مثل الإخوة تماما، كنا نذهب لنفس المدارس، ونقرأ نفس الكتب، ونتردد على نفس المساجد.. ولدي منهم أصدقاء كثيرون.. بل ربما يفوق أصدقائي منهم أصدقائي من هذه الأرض التي لا أزال أعيش فيها.

قلت: ولكن ما الذي حصل؟ وكيف تغيرت الحال؟ وكيف تحول هؤلاء الأصدقاء إلى أعداء؟

قال: بسبب أولئك الأعداء الأربع تحول الأصدقاء إلى أعداء، ثم قامت الحروب، ثم غذيت تلك الحروب بكل ألوان الأسلحة.. ثم نتج عنها كل ما تراه من دماء ودمار وجثث.

1 ـ الهوى

قلت: فهلا حدثتني عن ذلك، وكيف بدأ؟

قال: لاشك أنك تعلم الحروب التي حصلت بسبب ناقة البسوس.

قلت: أجل.. وكيف لا أعرفها، وهي حرب امتلأت بها كتب التاريخ والأدب.

قال: فما سببها؟

قلت: هم يذكرون أن البسوس كانت امرأة صاحبة عزة ومنعة، وقد استجار بها جار لها من قبيلة أخرى، ومعه ناقة له.. يقال بأن اسمها أيضا [البسوس].. فرماها رجل من قبيلة أخرى، يقال له [كليب بن وائل] عندما رآها في الأرض التي حماها.. وحينها لجأ صاحب الناقة إلى البسوس، فقامت بإلقاء خطب كثيرة، ملأت قلوب القبائل غلا.. ثم سرعان ما هاجت الحرب بينهم سنين طويلة.. يقال بأنها استمرت أربعين عاما، حصدت من الأرواح ما لا يعلم عددهم إلا الله.

قال: فهل تعرف حرب داحس والغبراء؟

قلت: وكيف لا أعرفها، وهي حرب أسالت دماء كثيرة، خلدها التاريخ، وسجلها الأدباء.. لقد وقعت ـ كما يذكرون ـ بين قبليتي عبس وذبيان، وكان السبب في حدوثها أن قيس بن زهير، وحمل بن بدر، تراهنا على سباق خيول، فازت فيه الغبراء، بحيلة دبرها أصحاب داحس..ثم أدى ذلك إلى أحداث كثيرة متلاحقة سرعان ما وصلت إلى الحرب.. التي استمرت أربعين سنة، لم تنتج حينها في تلك القبائل ناقة ولا فرس، لاشتغالهم بالحرب.

قال: فهل تعلم أسباب الحرب العالمية الأولى؟

قلت: أجل.. هم يذكرون أن السبب المباشر لنشوب الحرب العالمية الأولى حادثة اغتيال ولي عهد النمسا [فرانز فرديناند] مع زوجته من قبل طالب صربي يدعى [غافريلو برينسيب] أثناء زيارتهما لسراييفو.. وبعدها بفترة قصيرة أعلنت النمسا الحرب على صربيا.. ثم سرعان ما بدأت التحالفات الأوروبية تتفاعل، حيث ناصرت روسيا صربيا، وأعلنت الحرب على النمسا؛ فقامت ألمانيا بإعلان الحرب على روسيا.. ثم توسعت دائرة التحالفات مع اتساع دائرة الحرب ودخول العديد من الدول فيها إلى جانب أحد الفريقين.

ويذكر المؤرخون أن الحرب دامت أكثر من أربع سنوات، تحولت خلالها من حرب أوروبية إلى حرب عالمية، بل كان من آثارها الحرب العالمية الثانية، ذلك أنه بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وقعت في انهيار اقتصادي، جعل الألمان يأتون بأدولف هتلر وحزبه القومي إلى الحكم، والذي استطاع بخطاباته النارية أن يحرق العالم بالحرب العالمية الثانية..

قال: والتي ولدت فيها وبسببها القنبلة الذرية، ثم تلتها الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي..

قلت: أجل.. فما الغرض من كل هذا؟

قال: هل تعرف أسباب الاستعمار الأوروبي للمستضعفين؟

قلت: هم يذكرون لذلك أسبابا كثيرة.. ولكن أهمها ما انتشر في ذلك الحين من أفكار ترتبط بما يطلق عليه [العنصرية العلمية]، أو [الدارونية الاجتماعية]، فقد كان [ربرت سبنسر] مثلا يذكر أن نظرية التطور ليست قاصرة على الصراع بين أنواع الحيوان والنبات للاستمرار في الوجود.. بل إنها تشمل أيضا الإنسان والمجتمعات، ولذلك أطلق على فلسفته لقب [الداروينية الاجتماعية]، وهي فلسفة تدعو إلى ممارسة كل الوسائل التي تزيل المستضعفين من الوجود حتى لا يبقى في العالم إلا الأقوياء.. فالبقاء لهم وحدهم.. ولذلك لهم أن ينتهبوا ثروات الفقراء المستضعفين.. ولهم أن يبيدوهم.. حتى لا يبقى في الأرض إلا الأصلح والأقوى.. وهو بالتأكيد ليس سوى (الإنسان الأبيض)، والأوروبي على وجه التحديد.

قال: هل تعرف أسباب..

قاطعته قائلا: أظن أنك تريد أن تختبرني في التاريخ.. وأبشرك بأني أضعف الناس فيه.. ولولا أن ما طرحته علي من أسئلة مما يعرفه عوام الناس، ما استطعت أن أجيبك.

قال: لا.. أنا لا أريد أن أختبرك.. بل أردت أن تكتشف بنفسك أسرار العداوة.. فلا يمكن لأحد أن يفهم سر الحياة ما لم يفهم سر العداوة.

قلت: وعيت ما ذكرت.. ولكن ما الذي تقصده من تلك الأسئلة جميعا؟

قال: لقد ذكرت لي الكثير من العداوات التي حصلت بين البشر، والكثير من الدماء التي سالت بسببها.. وذكرت لي أن ذلك كله كان نتيجة خطب نارية حولت البشر إلى أعواد ثقاب يحرق بعضهم بعضا.

قلت: أجل.. كلامك صحيح.

قال: أتدري مصدر تلك الخطب والفلسفات التي أنشأتها؟

قلت: أنا أسألك عن ذلك.

قال: إنها الأهواء.. فهي العدو الأكبر للإنسان.. ذلك أنها من يُلبس الباطل لباس الحق، ومن يحول من الأكاذيب والأراجيف قوانين للحياة.. والله لم يرتض للحياة من القوانين سوى الحق.

قلت: صدقت.. فكل أولئك الذين أوقدوا تلك الحروب الظالمة كانوا يبررونها بما يحول منها حروبا مقدسة مشروعة..

قال: أتدري ما سبب ذلك؟

قلت: ما سببه؟

قال: عندما يقتنع الإنسان بعقله ونفسه وكونه مصدر الحقائق.. هنا تنبعث الأهواء، لتشكل قوانينها الخاصة في نفسه، والمجتمع الذي يستطيع أن يؤثر فيه.

قلت: إن لم يستمع الإنسان لنفسه، فلمن يستمع؟

قال: لصوت الحق.. لقد أكرم الله البشر بأصوات كثيرة داعية إلى الحق، لكن البشر أعرضوا عنها، وعن سماعها، وعن سماع الحكماء الذين يدعون إليها، وراحوا يقفون خلف الشياطين الذين زينوا لهم تلك الأهواء.

قلت: صدقت.. لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال في شأن المنافقين: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } [محمد: 16]

قال: ألا ترى كيف اعتبر الله تعالى الإعراض عن رسل الله، وعن أهل العلم، سببا في الطبع على القلوب.. بحيث يُغض بصرها عن الحقائق أن تراها، وتُشل أقدامها عن السير في سراطها المستقيم؟

قلت: أجل.. وقد اعتبر الله تعالى ذلك سببا في اتباع الأهواء، وقيام أصحاب الأهواء الذين يتصورون أنهم يمكن أن يعوضوا البشر عن رسل الهداية الإلهية.

قال: ولذلك كان العدو الأكبر للإنسان هو اتباع الأهواء.. وأصحاب الأهواء.. فهم الذين يوقدون كل حرب.. وهم الذين ينشرون كل فترة.. وهم الذين يدعون لكل ضلالة.

قلت: لقد ذكرني حديثك هذا بما ذكره الله تعالى عن السامري، فقد كان صاحب راية من رايات الهوى.. وقد عز عليه أن يعبد قومه الله العظيم المنزه عن كل تجسيم وتشبيه.. فلذلك راح يصنع لهم عجلا يعبدونه بدل الله.. وقد استغل في ذلك فترة غياب موسى عليه السلام.

قال: هو لم يستغل غياب موسى عليه السلام.. وإنما استغل تلك الأهواء الموجودة في نفوس قومه.. ولذلك سرعان ما راح يشعل فيها نيرانه.. لقد سمع قومه، وهم يطلبون من موسى عليه السلام ـ بمجرد خروجهم من مصر ـ أن يجعل لهم إلها كالآلهة التي تعبدها الأمم من حولهم، لأنه عز عليهم أن يعبدوا إلها لا يتمكنون من رؤيته.. وهكذا رآهم يرددون كل حين طالبين من موسى عليه السلام أن يريهم الله جهرة.. ولذلك راح يسارع في تلبية أهوائهم.

قلت: هل تقصد أن قادة الأهواء ليسوا فقط أولئك الفلاسفة والمفكرين؟

قال: لا يمكن للفلاسفة والمفكرين والخطباء ورجال الدين أن يتحركوا حركة دون أن يجدوا ما يدعمها في عالم النفوس.. هم كالشياطين تماما.. لا يزرعون الأهواء إلا في الأراض المستعدة لإنباتها.

قلت: صدقت.. فمع أن موسى عليه السلام ترك أثناء غيابه أخاه هارون عليه السلام، وقد كان الإسرائيليون يعرفون نبوته.. لكنهم أعرضوا عنه، وراحوا يتبعون السامري..

قال: ما حصل في بني إسرائيل حصل في كل الأمم.. حين تعرض عن وصايا أنبيائها، وتضع بدلها من الأهواء ما يناسبها.. لتحول الدين من دين الله إلى دين البشر، معجونا بكل أهواء البشر.

قلت: أرانا خرجنا من الحديث عن سر العداوة التي حصلت بين قومك إلى سر العداوات التي حصلت بين البشر.. فهلا حدثتني عن قومك.

قال: ما حصل بين قومي، ومن يطلقون عليهم لقب الأعداء، لا يختلف كثيرا عما ذكرته لي من قصة البسوس، أو داحس والغبراء.

قلت: هل كانت بداية الحرب رهان بين فرسين.. أو قتل لناقة؟

ابتسم ابتسامة حزينة، ثم قال: أصحاب الأهواء لا يكررون نفس المشاهد.. بل يستعملون كل مرة أدوات جديدة، وأساليب جديدة.

قلت: فما الأسلوب الذي استعملوه معكم؟

قال: لقد كنا ـ كما ذكرت لك ـ دولة واحدة، وشعبا واحدا، وكانت لنا اهتمامات مشتركة في كل شيء.. ولم يكن يفرق بيننا شيء.. إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم الذي دعانا فيه بعضهم إلى الاهتمام بالرياضة، وإنشاء ملاعب لها.

قلت: ما بك يا رجل.. لقد كنت أحسبك عاقلا، وهل في الرياضة ما يسوء.. ألا تعلم ما ورد في النصوص المقدسة من الدعوة إلى الحركة والرياضة؟

قال: لقد كنا نمارس الرياضة قبل ذلك.. ونمارسها جميعا.. فقد كانت حياتنا كلها حركة ونشاط.. لكن أولئك لم يريدوا هذا.. وإنما أرادوا شيئا خفيا سرعان ما برز إلى السطح.. ثم بدأ يكبر إلى أن تحول إلى ما تراه.

قلت: فما فعلوا؟

قال: لقد دعوا إلى تأسيس فرق تمثل المناطق المختلفة.. ثم دعوا إلى إجراء المقابلات الودية بين هذه الفرق.. لكنها لم تدم بصيغتها الودية مدة طويلة..

قلت: كيف؟

قال: لقد بدأت تلك اللعبة تتحول من لعبة للتسلية إلى لعبة تتشكل منها العقول الجديدة.. والتي أصبحت تتعامل مع المناطق المختلفة على أساسها..

قلت: لم أفهم.

قال: سأضرب لك مثالا على ذلك.. كنا قبل انتشار تلك الملاعب، والمباريات المرتبطة بها نعرف المناطق المختلفة من خلال علمائها وصالحيها.. وقد كنا إذا قصدنا أي قرية أو مدينة بدأنا بزيارة أهلها من العلماء والصالحين، نستفيد منهم، ونتبرك بنصائحهم.

قلت: فما الذي حصل بعد ذلك؟

قال: بعد ذلك.. وبعد أن تحولت كرة القدم إلى ثقافة وقيم.. استبدلنا احترامنا وتعظيمنا للصالحين باحترامنا وتعظيمنا للاعبين..

قلت: هذا شيء طبيعي.. فما الذي حصل بعد ذلك؟.. وهل كان أولئك اللاعبون هم أصحاب الخطب النارية التي أشعلت بلادكم نيرانا؟

قال: لا.. أولئك اللاعبون لم يكونوا سوى وقود لتلك الحروب.. لقد خرج لنا بعض من يدعون الفلسفة والتفكير.. وراحوا يشحنوننا بكل ألوان العنصرية المقيتة.. لقد ذكروا لنا أن عرقنا مختلف عن عرقهم.. وأنهم لم يكونوا في الأصل سوى عبيد استقدموا لخدمة آبائنا وأجدادنا.. وأنهم سرعان ما احتلوا أرضنا.. ثم طالبونا بعد ذلك بطردهم منها، وتحرير أرضنا منهم.

قلت: وكيف فعلوا مع من أن أصبحوا أعداء لكم؟

قال: مثلما فعلوا معنا.. لقد كانوا يغرسون الأفكار بطريقة ذكية، لتنبت كل أنواع الأشواك والآلام.

قلت: لم أفهم.. هل كان السقي واحدا، والنبات مختلفا؟

قال: يمكنك أن تقول ذلك.. فقد استبدلوا حينها أخوتنا الإنسانية بما سموه الأخوة الوطنية.. حينها أنزلونا من العلاقة السماوية التي تربط بيننا إلى العلاقة الأرضية.. فحولوا من بلدتنا وطنا خاصا بنا.. وحولوا من بلدتهم وطنا خاصا بهم.. ثم راحوا ينشرون فينا التعلق بأرضنا.. وينشرون فيهم ذلك التعلق.. ثم راحوا يوحون لهم بأننا اغتصبنا بعض أرضهم.. ويوحون لنا بأنهم فعلوا ذلك بنا.

قلت: لقد فهمت ما تقصد.. أنت تريد أن الهوى الذي جر قومك إلى الحرب هي الوطنية..

قال: الوطنية المزيفة.. وهي ليست سوى الهوى الذي قامت عليه ما تراه من حروب.. فالحروب العالمية لم تكن إلا وقودا لهذه الوطنية المزيفة.

قلت: لكن حب الوطن شيء راسخ في النفوس..

قال: فرق بين أن تحب وطنك، وبين أن تجعله وقودا لإشعال الحروب، ونشر المظالم.. فقد خلق الله لنا الأرض لنسكنها، ونعرفه من خلالها، ولم يخلقها لنا لتكون ميدانا للحرب والصراع.

قلت: لقد ذكرتني بما ذكره الله تعالى عن أقوام الأنبياء، وكيف توهموا أن الأرض ملكهم، يدخلون من شاءوا، ويخرجون من شاءوا، لقد قال في ذلك: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِين }(إبراهيم:13)

قال: أنت تذكرني بما يقوله قومي عني؛ فهم يتهمونني كما يتهمون كل من دعاهم إلى الأخوة والإنسانية وإقامة الصلح بكونه مفتقدا للوطنية.. فهم يتصورون أنهم ـ بتلك الأهواء ـ وحدهم المواطنون والوطنيون وغيرهم عملاء أو خونة أو يريدون أن يخرجوا أهل الأرض من أرضهم.

قلت: لقد ذكر الله تعالى هذا أيضا.. فقد ذكر أن الوطنية هي الورقة التي كان يلعب بها فرعون عندما خاطب قومه وعيناه مغرورقتان بالدموع حزنا على الوطن الذي يريد موسى أن يسلبه من المصريين؛ فقد قال يذكر مقولة فرعون لقومه: { قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء: 34، 35]

قال: ولذلك سير الجيوش لحربه.. كما سيرت جميع جيوش العالم من أجل هذا الهوى الذي استغله الشيطان لينفخ نيران العداوة بين الخلق.

2 ـ النفس

قلت: عرفت سرى الهوى، وأثره في إقامة أسواق العداوة بينكم وبين جيرانكم.. فما علاقة النفس بذلك؟

قال: لولا النفوس ما تحركت الأهواء.. فالأهواء لا تنبت إلا في أرض النفوس.. ألم تسمع قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات: 40، 41]؟

قلت: بلى.. ولكن لا يمكن لأحدنا أن يعيش من دون نفسه.. وقد قال الله تعالى: { يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} [الفجر: 27 – 30]

قال: صدق الله تعالى.. وأنت ترى أنه ذكر النفس المطمئة.. وهي تلك النفس التي تخلصت من كل أهوائها، والحجب التي تحول بينها وبين إدراك الحقائق، أو العمل بمقتضياتها.. فلذلك لم يبق للأهواء أي سلطان عليها.

قلت: هل تقصد أن المشكلة ليست في النفوس.. وإنما في الأهواء التي تتسلط عليها؟

قال: يمكنك أن تقول ذلك.. فـ (لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين، إذ لا مسافة بينك وبينه، حتى تطويها رحلتك، ولا قطعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك)([1])

قلت: ولكن لم كان الأمر كذلك؟.. ولم كان للنفوس ذلك الاستعداد لتقبل الأهواء؟

قال: حتى يتردد السائرون في الميادين المختلفة، لتبرز حقائقهم، وتكشف سرائرهم، ويميز خبيثهم عن طيبهم.. ولذلك ترى من أصحاب النفوس من يصل إلى الكمال.. ومنهم من ينقطع دونه.. ومنهم من لا يفكر في السير أصلا لرضاه عن نفسه، وشغفه بها، وولهه بكل ما تطلبه منه.

قلت: أنت تشير بذلك إلى أنواع النفوس التي ذكر القرآن الكريم أنها ثلاثة.. فمنها النفس الأمارة التي ذكرها الله تعالى في قوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} (يوسف:53).. ومنها النفس اللوامة التي ذكرها الله في قوله: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (القيامة:2).. ومنها النفس المطمئنة التي ذكرها الله في قوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (الفجر:27)

قال: هذه مجامع النفوس.. أما عددها؛ فلا يمكن لأحد من الخلق عدها، ذلك أنه تحدث مع كل نفس من الأنفاس نفس جديدة، إما ترتقي بصاحبها إلى المعالي، وإما تنزل به إلى السفل.

قلت: كلامك صحيح.. فمراتب الخلق لا نهاية لها.. ذلك أن منهم من يقترب من عالم الشياطين.. بل يتجرد، فيتحول إلى شيطان رجيم.. ومنهم من يقترب من عالم الملائكة.. ولولا أنه يلبس لباس البشر، لتصوره الخلق ملاكا.

قال: ولذلك جعل الله تعالى هذه النشأة ميدانا لبحث الإنسان عن نفسه.. وعندما يحددها بدقة، يرحل إلى النشأة الأخرى ليعيش وفق ما اختاره لنفسه، أو ما اختارته له نفسه.

قلت: أنت تذكرني بأحاديث كثيرة وردت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبر فيها عن الخلق الذين يحشرون بصور مختلفة بناء على البناء الذين بنوا عليه أنفسهم.. وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف يحشر المستكبرون والظلمة، فقال: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر([2]) في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان)([3])، وفي رواية: (يبعث الله يوم القيامة ناساً في صور الذر يطؤهم الناس بأقدامهم، فيقال: ما هؤلاء في صور الذر؟ فيقال: هؤلاء المتكبرون في الدنيا) ([4])

قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. والوصف الذي وصفه بهم يتناسب تماما مع الطبيعة التي بنوا عليها أنفسهم في الدنيا.. عندما راحوا يغيرون خلق الله الذي خلقهم عليه..

قلت: هل تقصد أن ما قاله الشيطان من وعيده لبني آدم بتغيير خلق الله ينطبق على الآخرة، لا على الدنيا؟.. لكن الوعيد واضح في دلالته على الدنيا، فقد قال الله تعالى مخبرا عن وعيد الشيطان: {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } [النساء: 118، 119]

قال: الدنيا والآخرة وجهان لعملة واحدة.. فما تراه في عالم الدنيا هو عين ما ستراه في عالم الآخرة، ولكن بصورته الحقيقية التي غطتها حجب الدنيا.. ألم تسمع قوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 6، 7]، فالآية الكريمة تشير إلى أن الغفلة هي الحجاب الذي حال بين الإنسان وبين رؤية عالم الآخرة، وهي التي جعلته يكتفي بظاهر الحياة الدنيا، دون البحث عن باطنها، والذي تتشكل منه الآخرة.

قلت: لقد ذكرتني بمقولة قالها بعض العلماء الحكماء، فقد قال في تفسير قوله تعالى: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 54]: (إنّ الحيّات والعقارب، بل والنيران التي تظهر في القبر والقيامة، هي بعينها الأعمال القبيحة والأخلاق الذميمة والعقائد الباطلة التي ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة وتجلببت بهذه الجلابيب، كما أنّ الروح والريحان والحور والثمار هي الأخلاق الزكية والأعمال الصالحة والاعتقادات الحقّة التي برزت في هذا العالم بهذا الزي وتسمَّت بهذا الاسم، إذ الحقيقة الواحدة تختلف صورها باختلاف الأماكن، فتحلّى في كلّ موطن بحلية، وتزيّى في كلّ نشأة بزيّ، وقالوا: إنّ اسم الفاعل في قوله تعالى: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 54] ليس بمعنى الاستقبال بأن يكون المراد أنّها ستحيط بهم في النشأة الأُخرى)([5])

قال: صدق بهاء الدين العاملي.. فما ذكره هو الحقيقة التي نطقت بها جميع النصوص المقدسة.

قلت: إن هذا يعني أن لنا صورتان.. ولنفوسنا حقيقتان.

قال: لنفوسنا حقيقة واحدة.. وهي التي نشكلها باختياراتنا ورغباتنا التي تغذيها الأهواء، أو تغذيها الحقائق.. أما الصور، فهي التي تتحول بحسب الوجهة التي وجهنا لها نفوسنا، والطعام الذي أطعمناها به.. فإن وجهنا نفوسنا للحق، وأطعمناها الطيبات.. تجوهرت بجواهر أهل الحق.. وإلا تحولت إلى مستنقع من مستنقعات الخبائث.

قلت: وعيت هذا.. ولكني لا أبحث عن علاقة النفوس بالنشأة الأخرى.. وإنما أبحث عن النفوس وعلاقتها بهذه النشأة.. أنا أبحث عن علاقة النفوس بسر العدواة.. ولذلك أنتظر منك أن تذكر لي دور النفوس في الحرب الحاصلة بينكم وبين جيرانكم، كما ذكرت لي دور الأهواء في ذلك.

قال: لولا النفوس لما كانت الأهواء.. فتلك الأهواء لم تجد من يرددها إلا النفوس الأمارة الممتلئة بالخبث.

قلت: ولكن.. هل كل نفوس بلدتكم من هذا النوع؟

قال: لا.. ولكن كل الطيبين غُيبوا عن الساحة.. بعضهم قتل، وبعضهم سجن، وبعضهم شوه.. ذلك أن النفوس الأمارة تستعمل كل الوسائل لتحقيق غاياتها.. فهي تركب كل المطايا.. وتستغل كل الشياطين لتنفيذ مآربها.

قلت: لم أفهم ما تقصد؟

قال: لقد ذكرت لك أن تلك الأهواء بدأت بلعبة.. كان يمكنها أن تظل لعبة للتسلية.. لكنها تحولت إلى ثقافة وفكر ومبادئ.. وهكذا تحول كل شيء يغذي النفوس إلى أدوات لغرس الفتنة.

قلت: عرفت هذا.. ولكن ذلك هو دور الأهواء في العداوة.. فما دور النفوس؟

قال: أنت تعلم أن أخطر النفوس وأبعدها عن الحق تلك النفوس التي تشتهي السلطة والرئاسة، وتضحي في سبيلها بكل شيء.

قلت: أعلم ذلك.. وهل مصائبنا إلا من ذلك.. وقد أشار إلى هذا المعنى تلك الآيات الكثيرة التي تذكر الملأ ودورهم في مواجهة الأنبياء عليهم السلام، ذلك أن أولئك الملأ قد أشبعت نفوسهم حب السلطة، ولذلك خشوا أن تتحول عنهم إلى الأنبياء؛ فراحوا يحاربونهم.

قال: حب السلطة لا يدفع إلى ذلك فقط.. بل قد يصل بصاحبه إلى ادعاء الألوهية.

قلت: بلى.. لقد ذكر الله تعالى ذلك فقال حاكيا عنه: { فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)} [النازعات: 21 – 24]، وقال: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [القصص: 38]

قال: وهكذا النفس.. ففرعون لم يكن سوى نموذج للنفس الأمارة بالسوء في قمة عنفوانها وطغيانها.

قلت: هل تقصد أن النفس في طغيانها تردد ما ردده فرعون من دعواه الألوهية؟

قال: أجل.. بل إنها لا ترضى بالشرك، ولذلك، فهي تردد في كل حين مع فرعون ومع كل الطواغيت قولهم: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38].. ولذلك فهي تلبس من الألبسة المختلفة ما تعبد به من خلالها.

قلت: وعيت هذا.. ولكن كيف حصل هذا بين قومك، وكيف جلب العداوة لهم؟

قال: لقد كنا قبل قيام هذه الفتن بيننا نعيش تحت إمرة قيادة حكيمة مشكلة من إخواننا في البلدة الأخرى.. وبعد أن حصلت تلك النزاعات بيننا وبينهم بسبب تلك الكرة المشؤومة، دعا قومنا إلى التمرد على تلك السلطة، لا لكونها لم تكن حكيمة، وإنما لكونها تنتمي لأرض غير أرضنا، وتسري في عروقها دماء غير دمائنا.. ثم ما لبث أن أوجد ذلك نفوسا فرعونية تحن إلى السلطة؛ فأسرعت تقترح نفسها، ثم وجدت من أصحاب المطامع من يجيب نداءها طمعا في هباتها وصلاتها.. ثم سار الرعاع يتبعونهم، وبذلك بدأت الحرب، ولا يمكن أن تنتهي أبدا.

قلت: أنت لم تذكر نفس فرعون فقط.. بل ذكرت نفوسا أخرى.

قال: لا يمكن لنفس فرعون أن تنفذ أهواءها ما لم تجد من يستمع لها، ويخضع لمطالبها.. لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال عن سبب طغيان فرعون واستبداده: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } [الزخرف: 54]

قلت: هل تقصد أن الشعوب هي التي تصنع المستبدين؟

قال: أجل.. فهناك نفوس خسيسة تحب الاستبداد، وتحن إلى العصا، وتخضع للمطامع؛ فلذلك سرعان ما يستولي عليها الظلمة، ويحركونها لتحقيق مآربهم.

قلت: لقد ذكر الله تعالى ذلك عندما تحدث عن الغوغاء والأتباع الذين يصيحيون يوم القيامة في وجوه المستكبرين، وهم يطلبون منهم نجدتهم من تلك المهالك، فقال: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21]

قال: هل رأيت إلى هؤلاء.. وكيف تشكلت نفوسهم بتلك الضعة والتبعية حتى أنهم في تلك المواطن الصعبة، وبعد أن مروا بما مروا به من أهوال بقيت لهم بعض الثقة في الرؤوس التي اتبعوها، ولهذا راحوا يستجدونها أن تنقذهم؟

قلت: لقد وعيت هذا.. فالأهواء لم تكن تنتشر إلا بين النفوس بمختلف أنواعها.. نفوس المستبدين.. ونفوس أصحاب المطامع.. ونفوس الغوغاء الذين يصدقون كل ناعق.

قال: أجل.. فالحرب الجارية بين بلدينا ليس لها ما يدعمها من العقل، ولا من الحكمة.. بل دعامتها الوحيدة هي النفوس التي تمردت عن فطرتها.. فعوقبت بأفعالها، وتمردها.

3 ـ الدنيا

قلت: عرفت سر النفس، وعلاقتها بالهوى، وأثرها في إقامة أسواق العداوة بينكم وبين إخوانكم.. فما علاقة الدنيا بذلك؟

قال: الدنيا هي المضمار الذي تتسابق فيه النفوس، وترفع فيه رايات الأهواء.

قلت: ولكن الدنيا أيضا هي المزرعة التي نبذر فيها الأعمال الصالحة، التي نجنيها بعد ذلك في جنان الله الواسعة.

قال: أجل.. وذلك أصل الدنيا.. فهي دار الضيافة الإلهية لعباده، ليعرفوه من خلالها، ثم يعرجوا منها إليه بعد أن ينجحوا في كل الاختبارات التي تجري عليهم فيها.

قلت: لقد ذكرتني بكلمات جميلة، وحكم جليلة للإمام علي، قالها مخاطبا قوما بالغوا في ذم الدنيا، من دون تفريق بين دنيا الصالحين المترفعين، ودنيا العابثين المتثاقلين، لقد قال يخاطبهم: (ما بال أقوام يذمّون الدنيا وقد انتحلوا الزهد فيها؟!.. الدنيا منزل صدق لمن صدّقها، ومسكن عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، مسجد أنبياء اللّه، ومهبط وحيه، ومصلّى ملائكته، ومسكن أحبّائه، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا منها الجنّة.. فمن ذا يذم الدنيا وقد آذنت ببينها؟! ونادت بانقطاعها، ونعت نفسها بالزوال، ومثّلت ببلائها البلاء، وشوّقت بسرورها إلى السرور، وراحت بفجيعة، وابتكرت بنعمة وعافية، ترهيبا وترغيبا، فذمّها قوم غداة الندامة، وحمدها آخرون، خدمتهم جميعا فصدقتهم، وذكّرتهم فاذّكّروا، ووعظتهم فاتّعظوا، وخوّفتهم فخافوا، وشوقتهم فاشتاقوا) ([6])

قال: بوركت.. فهذه الكلمات توضح حقيقة الدنيا، وجبلتها التي جبلها الله عليها؛ فالله تعالى لم يخلق الشر ابتداء، ولكن الخلق هم الذين حولوا الخير إلى شر، وحولوا النعمة إلى نقمة، وحولوا العافية إلى بلاء.

قلت: لقد ذكرتني بحديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه: (إن مما أخاف عليكم بعدي: ما يفتح عليكـم من زهـرة الدنيـا وزينتها)، فقيل له: أوَيـأتي الخيـر بالشـر يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع يقتل حَبَطًا([7])أو يُلم([8])، إلا آكلة الخْضِر([9])، فإنها أكلت، حتى إذا امتدت خاصِرتاها استقبلت عين الشمس، فثلَطَت([10])، ثم رتعت)

وبعد أن قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا التشبيه قال لهم: (إن هذا المال خَضِرٌ حلو، ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل.. وإن من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة)([11])

قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا الحديث يبين حقيقة الدنيا.. فهي مثل الأرض التي يمكننا أن نزرع فيها العنب، ويمكننا أن نزرع فيها الشوك.. ويمكننا أن نزرع فيها أصناف السموم.

قلت: فكيف كانت الدنيا سببا لإشعال الحروب بينكم وبين إخوانكم؟

قال: لقد تحولت الدنيا إلى مضمار تتسابق فيه النفوس الممتلئة بالأهواء.. ولذلك راح كل فريق من أهل بلدنا ومن جيراننا يريد أن ينال منها أكبر قدر يستطيعه.. وحينها بدأ الصراع.

قلت: ولم بدأ الصراع.. والدنيا متسعة للجميع؟

قال: عندما تمتلئ النفوس بالمطامع لن يروي غليل محب الدنيا كل الكون..

قلت: صدقت.. وقد ذكرني حديثك هذا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان، ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب)([12])

قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أشار إلى علة الحرص والطمع، والذي منه تنشأ دنيا المنحرفين المتثاقلين إلى الأرض الذين يتوهمون أنها الغاية، وأن ما بعدها العدم.

قلت: لقد ذكرني حديثك هذا بقوله تعالى عن ذلك المتثاقل إلى الدنيا، والراغب فيها، والذي تحول بسبب إلى كلب من الكلاب، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِين (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون (176) سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُون} [الأعراف:175-177]

قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وهذه الآيات الكريمة توضح لك دور الدنيا والتنافس فيها في التحريش بين البشر، وإشاعة العداوة بينهم.. ذلك أنهم ينتكسون بسبب ذلك الحب انتكاسة خطيرة تحولهم من بشر محترمين إلى كلاب لاهثين.

قلت: لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دور الشح في إهلاك القرى، فقال: (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)([13])

قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الحديث يبين لك دور الطمع في الصراع.. ولو أنك بحثت في كل حروب العالم، فستجد حب الدنيا والطمع فيها والحرص عليها هو الوقود الذي أشعل كل الحروب.

قلت: صدقت.. فكل أنواع الاستعمار لم تكن سوى نزوة نفوس شرهة ممتلئة بالمطامع، ولذلك راح المستعمرون يضمون يحرمون المستضعفين من قوتهم ليضموه إلى ترفهم.

قال: لقد ذكر الله تعالى ذلك عند بيانه لأسباب هلاك للقرى، فقال: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (الاسراء:16).. ألا تعلم السبب الذي جعل الترف حائلا بين المترفين والحق؟

قلت: ما هو؟

قال: الترف.. فالمترف مستغرق في ترفه مستعبد له، وقد قال تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} (هود:116)، فالمترفين استهواهم ترفهم، فاستعبدهم من دون الله.

قلت: لقد ذكرتني بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي، وإن لم يعط تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش)([14])

قال: ولذلك كان حب الدنيا والطمع فيها والحرص عليها عبودية لها.. وكانت بذلك أساس كل خطيئة..

قلت: ألهذا جعلها الله طعما لتمييز أعدائه من أحبابه؟

قال: أجل.. فالمطامع هي التي تميز أهل الحق من أهل الباطل.. ولذلك ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هوان الدنيا على الله ليبين أنها ليست سوى طعم..

قلت: لقد ذكرتني بأحاديث كثيرة كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر بها كل حين.. فقد كان يقول: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)([15])، وكان يقول: (ما الدنيا فى الآخرة إلا كما يمشى أحدكم إلى اليم فأدخل أصبعه فيه فما خرج منه فهو الدنيا)([16])، وكان يقول: (ما لي وللدنيا؟ ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها)([17])

قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ونصح… وبلغ.. ولو أن الأمة اتبعت هديها ما وقعت في كل تلك الحروب التي فرقت صفها وشتت شملها..

قلت: لقد ذكر الله تعالى ذلك عن الأمم وتخلفها عن أنبيائها بسبب حبها للدنيا، فقال:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأعراف: 169]، وذكر في مقابلهم الصالحين الذين تمسكوا بالكتاب بدل التمسك بالدنيا، فقال: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170]

4 ـ الشيطان

قلت: لم يبق من الأعداء إلا الشيطان، وأظن أنك بحديثك عن النفس والهوى والدنيا قد أخرجت الشيطان، حيث لم يبق له أي دور مع هؤلاء الأعداء الثلاثة.

قال: لا.. الشيطان هو الركن الأكبر من أركان العداوة.. ذلك أنه مشعل نيران الفتن، وموقدها، وهو الذي يحول بين الخلق وإطفائها.

قلت: ألم تذكر أن ذلك دور النفوس المغذاة بسموم الأهواء؟

قال: وهل تعلم مصدر الأهواء؟

قلت: النفوس..

قال: النفوس مستعدة للخير بقدر استعدادها للشر، ولذلك إن وجدت من ينفخ فيها روح الخير، ويشجعها عليه، لاكتفت به.

قلت: فهل هناك من يرجح جانب الشر فيها، ويحثها عليه؟

قال: أجل.. وهو الشيطان.. فكل ما تراه من غواية وضلالة وفتن وأهواء للشيطان يد فيها.. فمهمته هي الغواية.. ألم تسمع لقوله تعالى، وهو يخبرنا عن وعيد الشيطان للإنسان: { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 39، 40]

قلت: بلى.. فما فيها من العلم؟

قال: الآيتان الكريمتان تخبران أن الشيطان هو مصدر الغواية بما يملكه من خبرات وقدرات على التزيين والإغواء، ولذلك فإن كل ما تسمع به من فلسفات وأفكار ومدارس تصد عن الله، أو تنحرف بالبشرية عن القيم التي دعا إليها، مصدرها الشيطان.. ألم تعلم كيف استطاع بحيله ودهائه أن يخرج آدم عليه السلام من الجنة؟

قلت: بلى.. لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) } [الأعراف: 20 – 22]

قال: لقد ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكريمة الكيفية التي استطاع أن يتوصل بها إلى آدم عليه السلام، فهو قد قاسمهما، وصور لهما وساوسه بصورة النصح، ثم علل النهي الإلهي عن أكل الشجرة، بأنه ليس نهيا مطلقا، أو لأجل النهي، وإنما هو معقول المعنى.. ثم ذكر لهما أن ذلك النهي معلل بأن يصيرا ملكين أو يصيرا من الخالدين.

قلت: أو ربما قال لهما ما يقوله لنا الكثير من الذين يدعون إلى التساهل في مراعاة أحكام الشريعة: إن الله الرحيم بكما ما كان ليمنعكما من هذه الشجرة وأنتما ضيفان عنده، فاتهما فهمكما، ولا تتهما ربكما.

قال: أو ربما قال لهما ما قاله لنا دعاة الفتنة الذين حرضوا على الصراع بيننا وبين إخوتنا: إن النهي الذي صدر لكما من ربكما لم يكن نهيا مطلقا، بل هو مقيد بأكل جميع الشجرة، لا بمجرد تذوق ما فيها.. أو قال لهما: إن النهي لم يكن عاما في جميع الأوقات، بل كان مخصوصا بأول دخولكما الجنة لعدم تناسب أكلها مع أجهزتكم الهاضمة حينذاك.. أو قال لهما: لقد ورد النهي قبل نضجكما وصلابة يقينكما، أما بعد ذلك فلا تكليف بعد يقين ولا حركة بعد معرفة.

قلت: أبهذه الحيل استطاع أن يلقي في روعهما مخالفة أمر الله؟

قال: أجل.. لقد عرف أن في نفسيهما حبا للخلود، وحبا لأن يكونا ملكين، ولذلك راح يستعمل حيله في هذا الجانب.. لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف: 22].. فحبل الشيطان الممدود للإنسان هو تلك الأوهام التي تجعله مغترا، بعيدا عن حقيقته.

قلت: أنت تصور لي الشيطان، وكأنه المركز الذي تبث منه الفتن.

قال: أجل ذلك صحيح.. فهو مثل تلك القنوات التي تبث كل أنواع الميوعة والضلال والفتن.. وأي نفس أشربت ذلك، وتأثرت به، تحولت إلى جندي من جنود الشيطان، وتابع من أتباعه.. وقد تتحول بمرور الأيام إلى شيطان رجيم لا يختلف عن شيطان الجن في شيء.

قلت: لقد ذكرتني بقوله تعالى عن الوسائل التي يستعملها الشيطان في الغواية، فقد قال: { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا } [الإسراء: 64]

قال: أجل.. فكل ما تراه من قنوات فتنة، ورؤوس ضلالة هم تلاميذ وأدوات للشيطان يستعملها للغواية.. فالشيطان لا يكتفي بتضليل البسطاء، بل هو يستعمل كل الوسائل للوصول إلى الكبار، وتحويلهم إلى شياطين يؤدون جميع أدواره.

قلت: ولكن كيف يستقيم ما ذكرت مع رحمة الله بعباده.. كيف يأذن للشيطان في أن يضل الخلق من غير أن يدركهم بالهداية؟

قال: ألم تقرأ قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]؟

قلت: بلى..

قال: فالله تعالى وضع أعلاما كثيرة للهداية مقابل غواية الشيطان.. وأول تلك الأعلام ما وضعه في نفس الإنسان من حب للخير، وميل إليه.. ففطرة الإنسان السليمة لا تميل إلى الشر، ولا تجنح إليه.

وهكذا أرسل الله تعالى الرسل عليهم السلام.. فلم يترك أمة إلا وأرسل فيها من الرسل، وأنزل عليها من الكتب ما يدلها على السراط المستقيم.

قلت: ولكن مع ذلك كله؛ فإن غواية الشيطان دائمة، وهو فوق ذلك يرانا من حيث لا نراه.. ويزين لنا من الأهواء ما نتوهم أنه من بنات أفكارنا.

قال: والله تعالى كذلك برحمته وهدايته لخلقه جعل لكل إنسان واعظا وملكا يوجهه ويحذره من وساوس الشيطان، ومن كل تزييناته.. لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر ذلك: (إن للشيطان لمة([18]) بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان) ([19])

قلت: فدور الإنسان إذن هو الترجيح بين كلا المصدرين: مصدر الهداية ومصدر الضلالة.

قال: صدقت.. وذلك ما يحدد حقيقة الإنسان.. فإن جنح للشيطان ووساوسه تحول إلى شيطان رجيم.. وإن جنح للملاك وإلهاماته أفاض الله عليه من العصمة والحفظ ما يجعله كالملائكة في طيبته ونوره وصفائه.

قلت: لقد ذكرتني بكلمة للغزالي في هذا المعنى يقول فيها: (والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار الملك، ولقبول آثار الشيطان، صلاحا متساويا ليس يترجح أحدهما على الآخر، وإنما يترجح أحد الجانبين باتباع الهوى، والإكباب على الشهوات، أو الإعراض عنها ومخالفتها. فإن اتبع الإنسان مقتضى الغضب والشهوة ظهر تسلط الشيطان بواسطة الهوى، وصار القلب عش الشيطان ومعدنه، لأن الهوى هو مرعى الشيطان ومرتعه، وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه، وتشبه بأخلاق الملائكة عليهم السلام، صار قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم، ولما كان لا يخلو قلب عن شهوة وغضب، وحرص وطمع وطول أمل، إلى غير ذلك من صفات البشرية المتشعبة عن الهوى، لا جرم لم يخل قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوسة) ([20])

قال: ولذلك فإن الشيطان لا يتصرف في نفس الإنسان إلا بعد أن يأذن له الإنسان في ذلك.. وذلك عندما يسير وفق مقتضى شهوته وغضبته، ويترك السير وفق ما يقتضيه الحق.

قلت: ألهذا يتبرأ الشيطان يوم القيامة من كل الذين يتهمونه؟.. فقد قال الله تعالى يذكر خطبته في ذلك: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22]

قال: أجل.. بل إن الله تعالى ذكر براءته منهم في الدنيا.. ألم تسمع قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16]

قلت: بلى.. فما فيها من العلم؟

قال: إن غاية الشيطان الكبرى لا تقتصر على تلك التضليلات البسيطة.. بل إن طموحه الأعظم هو قمع كل منابع الخير في نفس الإنسان، وإغلاق كل منافذ الفكر فيه، ليطبع على قلبه، ويختم على عقله، فلا يرى الحق حقا، ولا يرى الباطل باطلا، بل يتحول كل شيء في ذهنه إلى النقيض؛ فيرى الحق باطلا، والمعروف منكرا.

وهنا ـ كما يذكر الله تعالى ـ يتخلى الشيطان عن هذا الذي أضله ضلالا كليا، لأن هذا الإنسان لم يعد إنسانا، بل صار شيطانا في صورة إنسان، وهو حينها أخطر من الشيطان نفسه، لأن عمل شيطان الجن عمل خفي، بينما عمل شيطان الإنسان عمل ظاهر للعيان، قد نراه على شكل كتب نقرؤها، أو مناهج دراسية نعتمدها، أو أفلام نشاهدها، أو سلوكات نتصور أنها ترمز للحضارة والتطور والتقدم.. بينما هي في حقيقتها لا ترمز إلا للضلال والتيه والشيطنة.

قلت: ألهذا يحذرنا القرآن الكريم من اتباع أي خطوة من خطوات الشيطان، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21]

قال: أجل.. فكل من لم يحاكم خواطره وأعماله وأفكاره إلى معايير الحق، سيسير لا محالة في طريق الشيطان.. وقد يصل في سيره إلى مرحلة اللارجوع، وحينها ينتكس انتكاسة عظمى، يتحول بموجبها إلى شيطان في صورة إنسان.

قلت: أرانا ابتعدنا عن تحليل أسباب العداوة بين قومك.

قال: لا.. لم نبتعد.. بل نحن نبحث في جذور العداوة وأساسها.. ذلك أن الشيطان استطاع أن يستخلص من بيننا أصحاب نفوس شرهة، ملأها بالأهواء، ثم صار يلقنها كل حين كل ما تعلمه من صنوف الغواية إلى أن صارت عميلة له تؤدي كل أدواره.

قلت: لقد ذكرتني بقوله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]

قال: أجل.. الشيطان بعد أن يحرش بين البشر، ويشعل نيران العداوة بينهم، ينتحي جانبا، ليتفرج على المهازل التي يقعون فيها، وهو يضحك من خفة عقولهم.

***

بينما كنا مستغرقين في تلك الأحاديث وأمثالها، إذ سمعنا جلبة كبيرة في الشارع، ثم سرعان ما اجتمع الناس.. وإذا بالخطباء والشعراء يتقدمون إلى منصة كبيرة، وهم يرقصون فرحا لتلك الانتصارات الوهمية التي حققوها.. ولم يؤلمني شيء كما آلمني أولئك الذين يتكلمون باسم الله، لينفخوا في نيران العداوة بدل أن يطفئوها.

وآلمني أكثر من ذلك أنهم بمجرد أن رأوا صاحبي أخذوا يصيحون في الناس: ها هو العميل الذي حذرنا من هذه الحرب، تعالوا لنقدم رأسه قربانا لانتصاراتنا.

اجتمع الناس عليه، ورموه أرضا، ثم أخذوا يجرونه، وهم يكبرون ويهللون، وينشدون أناشيد النصر.

لم تكن لي حينها الجرأة على تخليصه أو الدفاع عنه، لأني أعلم أنهم سيفعلون بي مثلما يفعلون به، فلم يكن لأولئك من عقول تستطيع السماع ولا التفكير، وكيف تستطيع ذلك، وهي غارقة في نشوة تلك الانتصارات المزيفة.

ما هي إلا أيام قليلة، وبعد أن غادرت تلك البلدة، حتى سمعت بأن جارتهم المهزومة عقدت عقدا خطيرا مع الدولة التي كانت تستعمرهم، وكان ذلك العقد ينص على قيام وصاية تامة للدولة المستعمرة على تلك البلدة وجارتها.. وكانت تلك الوصاية استعمارا جديدا قضى على كل المنجزات التي حققتها كلتا البلدتين في الوقت الذي كانتا فيه متحدتين.

ومن العجيب أني بعد سنوات من تلك الحادثة وما عقبها سمعت أن تنظيما قويا قام في مواجهة الاستعمار، وأنه شكل من أبناء كلا البلدتين، وكان يضم فروعا مختلفة، منها السلمي الموجه لتوعية الناس، ومنها المسلح الموجه لضرب العدو المستعمر.

والأعجب من ذلك كله أن الأمين العام لذلك التنظيم لم يكن سوى صاحبي الذي أهين أشد إهانة، واعتبر عميلا.. لكنه استطاع بحكمته وبصيرته أن يجمع الإخوة المتصارعين، وأن يواجه بهم عدوهم الأكبر، وأن يقدم أثناء مواجهته له أروع الدروس في القيادة والبذل والتضحية.

ومصدر ذلك كله هو علمه بالأعداء الحقيقيين، والذين وجه إليهم كل سهام حربه، واستطاع بذلك أن يحقق الكثير من الانتصارات ليس على الأعداء المزيفين فقط، بل على الأعداء الحقيقيين أيضا.


([1]) شرح الرندى على الحكم العطائية، ج 2، ص 79..

([2]) قدرٌ ضئيل جدًّا، بالغ الصِّغر، مُثِّل بالنملة الصغيرة أو برأس النملة أو الهباءَة المنبثّة في الهواء.

([3]) رواه الترمذي (2492)، وأحمد (2/ 179) (6677)، والبخاري في (الأدب المفرد) (557)

([4]) رواه البزار كما في (مجمع الزوائد) (10/ 337)

([5]) نقلا عن: بحار الأنوار: 7 / 229.

([6]) مستدرك نهج البلاغة للمحمودي: ج 1 ص 352- 357 الخطبة رقم(117)

([7])   الحبط: انتفاخ بطن الدابة من الامتلاء أو من المرض.

([8])   أو يلم: ألمَّ به يلمُّ: إذا قاربه ودنا منه. يعني: أو يقرب من الهلاك.

([9])   الخضِر: ضروب من النبات مما له أصل غامض في الأرض كالنصيِّ. وليس من أحرار البقول وإنما هو من كلأ الصيف. والنَّعمُ لا تستكثر منه وإنما ترعاه لعدم غيره.

([10])   فثلطت: ثلط البعير يثلط: إذا ألقى رجيعه سهلاً رقيقًا.

([11])   رواه البخاري ومسلم.

([12]) أحمد (5/218، رقم 21956) قال الهيثمى (7/140) : رجاله رجال الصحيح. والطبرانى (3/248، رقم 3303)

([13]) البخارى فى الأدب المفرد (1/170، رقم 483) ، ومسلم (4/1996، رقم 2578)

([14]) البخارى (3/1057، رقم 2730) ، وابن ماجه (2/1385، رقم 4135)

([15]) الترمذى (4/560، رقم 2320) ، والطبرانى (6/157، رقم 5840) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (7/325، رقم 10465)

([16]) الحاكم (4/355، رقم 7898) ، وقال: صحيح الإسناد.

([17]) أحمد (1/301، رقم 2744) ، والطبرانى (11/327، رقم 11898) ، وابن حبان (14/265، رقم 6352) ، والحاكم (4/344، رقم 7858) وقال: صحيح على شرط البخارى.

([18]) (اللمة) : المرة الواحدة من الإلمام، وهو القرب من الشيء، والمراد بها: الهمة التي تقع في القلب من فعل الخير والشر والعزم عليه.

([19]) رواه الترمذي (2988) ، و النسائي في الكبرى، تحفة الأشراف (9550)

([20]) إحياء علوم الدين، 3/ 49.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *