سادسا ـ الملك

في اليوم التالي.. أيقظنا في منتصف الليل رجل منا.. كان مميزا بيننا بكثرة الاهتمام بنا، وكأنه مسؤول عنا.. وكان في اهتمامه بنا يكاد ينشغل عن نفسه انشغالا كليا.

كان كل حين يسأل عن كل فقيد، أو جائع، أو مريض، أو محتاج إلى أي شيء.. فإذا ما وجده سارع إلى كل فرد منا يطلب منه أن يقدم له ما أطاق من الخدمات، يأمره في ذلك وينهاه.

وكان شديد الاهتمام بالنظام.. النظام في كل شيء.. ولذلك كان يتشدد علينا فيه.. بل يتأمر علينا بسببه.. وقد كنا من غير شعور منا نشعر بضرورة إمرته.. فلم يكن يصلح إلا لها.. ولم تكن تصلح إلا له.. ولم نكن نحتاج في ذلك المحل حاجتنا إلى من ينظم أمرنا، ليخفف عنا بعض ما كنا فيه.

وكان مع رحمته تلك ونظامه الصارم شديدا قاسيا على كل من رآه يسلك سلوكا خاطئا.. أو يخاطب غيره بعنف وبذاءة.. أو يتصرف في تلك الغابة القاسية بأي نوع غير مستقيم من التصرفات حتى أن بعضنا مرة غضب من سلوكه معه، وقال: لكأن من يراك تخاطبنا بهذا يتصور أنك قد ملكت هذه الغابة أبا عن جد.. وإلا فما حرصك عليها كل هذا الحرص؟

لم يجبه صاحبنا بشيء.. فقد كان أميل إلى الصمت منه إلى الكلام.. وإلى السلام منه إلى الصراع..

لذلك كله لم يكن يصارع أحدا.. بل كان يرسل بسماته مع أوامره.. فكنا نخضع لها.. أو قل كنا نخضع لبسمته وطلاقة وجهه أكثر من خضوعنا لأوامره الصارمة.

في ذلك اليوم.. أو في تلك الليلة أيقظنا من نومنا.. وقد ملأ البشر وجهه، وهو يقول: أبشروا.. لقد فتح علي اليوم من معرفة الله ما أحسب أننا نقترب به من ربنا الحقيقي.

فرحت الجماعة جميعا، وقالو: هيا.. بشرنا.. هل تذكرت شيئا يدلنا على ربنا؟

قال: أجل.. لقد تذكرت الآن معاني مهمة جدا لها صلة كبيرة بما نحن فيه.. لقد كانت تلك المعاني مخزونة في خزانة مغلقة داخل عقلي.. ولم يتح لها أن تعود إلي لأراها إلا الآن.. وبعد أن سمعت ما سمعت من رفاقي.

أنا الآن أراها.. وكأنها حاضرة معي.. وقد خشيت أن لا يصبح الصباح حتى تعزب عني.. ولذلك أيقظتكم في هذا الوقت.. واعذروني على ذلك.

قالوا: كيف تقول هذا؟.. إننا نبحث عن ربنا.. ولا يصدق في البحث عن ربه من منعه النوم عنه.. فهيا عجل بحدثيك، فقد ملأتنا أشواقا.

قال: قبل أن أحدثكم عما عرفته عن ربي.. أحدثكم أولا عن نفسي.. فلذلك علاقة كبيرة بما عرفته عن ربي.. وقد قال لي بعض من التقيت به في رحلة البحث عن الله (من لم يعرف نفسه لم يعرف ربه)

لقد كنت في بداية حياتي.. بل في فترة طويلة منها ملكا..

تعجبت الحاضرون، فقال: لا تتعجبوا.. هذه هي الحقيقة.. ولعلكم قد لاحظتموها في سلوكي معكم..

قال رجل منا: من أنت منهم؟.. وعلى أي بلاد كنت ملكا؟.. فأنا أعرف ملوك العالم واحدا واحدا.

قال: لقد كان يطلق علي (بيدرو الثاني)([1])..

صاح الرجل: لقد عرفتك.. لطالما كنت أشبهك في نفسي به.. لكني كنت أنفي ذلك محيلا أن تكون أنت هو ذلك الملك الذي حكم البرازيل بالرغم من أنك لم تتجاوز حينها خمسة عشر سنة.

قال: صدقت.. لقد بدا لأبي (بيدرو الأول)([2]) أن يتخلى عن السلطة.. وقد سلمها لي وأنا لم أتجاوز تلك السن.

قال الرجل: ولكنك لم تلبث أن تركت الملك، أو تركك الملك.

قال: صدقت.. وإلا لما كنت الآن بينكم.. ولكن ذلك لم يحصل إلا بعد أكثر من ثلاثين سنة استطعت خلالها أن أقدم لشعبي الكثير من الخدمات.. نعم يراها البعض غير صالحة.. ولكن هذا هو الحكم.. فكل من لا يعجبه شيء لا يجد أمامه إلا الحاكم لينتقده.

قلنا: دعنا من الحديث عن نفسك.. وحدثنا عن المعارف المرتبطة بربنا.

قال بيدرو: المعارف المرتبطة بربنا مرتبطة بما كنت أتولاه من الملك.. وقد فتحها الله علي في بعض تلك السنين التي كنت أتولى فيها عرش البرازيل.

في بعض تلك السنين سمعت أن رجلا حكيما دخل بلدنا، وقد كان هو الآخر ملكا، وكان – على ما علمت – ملكا صالحا.. ولكن قومه بغوا عليه.. فلم يلبث معهم إلا قليلا حتى دبروا له مكيدة لقتله.. لكنه فر منهم، وأوى إلى بلادي.. وقد حملني الذكر الطيب الذي سمعته عنه إلى استدعائه إلى مجلسي، ثم جعله من خواصي.. وقد استفدت ما أريد أن أبثه لكم من المعارف منه.

قال رجل منا: فما كان اسمه؟.. وما كان مصيره؟

قال: أما اسمه، فهو – على حسب ما ذكر لي –  (يحيى)، وبما أن والده كان اسمه (يحيى بن الحسين)، فقد كان الناس يطلقون عليه (يحيى بن الحسين)([3]) ، ويطلقون عليه لقب (الهادي إلى الحقّ المبين).. وكانوا لا ينادونه إلا به.

أما مصيره، فقد كان مؤسفا غاية الأسف.. لقد أرسل إليه قومه الذين بغوا عليه من دس له السم، فمات مسموما في بلاطي وعلى مرأى عيني.. وقد حرموني بذلك كما حرموا رعيتي من حكمته وصفاء عقله ودماثة أخلاقه.. وأضافوا فوق ذلك تهمة لي لا تزال تدنس فترة حكمي.. وقد استغلها خصومي بعد ذلك للإطاحة بي.

دعونا من هذا.. فوقتنا لا يكفي للخوض في مثل هذه الشؤون.. ولهذا فلن أحدثكم اليوم عن الحكم الكثيرة التي استفدتها منه.. والتي ترتبط بنظام الملك وغير ذلك.. ولكني سأحدثكم عما يرتبط بموضوعنا..

في مجلس من المجالس التي اجتمعت به فيها، قلت له مازحا: مرحبا أيها الملك..

ابتسم، وقال: لو كنت ملكا لما فررت إلى بلادكم.. ولما استطاع قومي أن يغروا بي سفهاءهم.

قلت: إذا كان الأمر كذلك.. فكلنا لسنا ملوكا، بل ليس هناك ملك في الدنيا.. فكلنا معرض لما تعرضت له.. وكلنا لم يذق من صفاوة الملك ما ذاق من كدره.

شجعه هذا الحديث على أن يحدثني عن ربه، فقال: أجل.. صدقت أيها الملك المبجل.. فلو أنا طرحنا من عقولنا الحجب التي تحول بينها وبين التفكير السليم لعلمنا أن الملك الحقيقي هو الله.. أما من عداه، فهم مجرد نواب ووكلاء مستعارين لمدد محدودة، ومحال محدودة.. أما الله، فهو الملك الحقيقي([4]) الذي بسط ملكه على كل شيء، وامتد ملكه لكل زمن، ولم يعزب عن ملكه شيء في الأرض ولا في السماء.

كان يقول هذا بروحانية عذبة.. ثم قرأ بعدها من القرآن هذه الآية:{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} (آل عمران)

ثم قال لي بعدها: انظر هذه التعابير الواردة في كتابنا المقدس.. إن الله يخاطبنا من خلالها ليقول لنا: إن الملك الحقيقي له.. وله وحده.. وليس من عداه سوى مبتلون ببعض المسؤوليات ليميز الخبيث منهم من الطيب، والصادق منهم من الكاذب، والإنسان منهم من الشيطان.

ثم التفت إلي، وقال: إن ربنا يعلمنا أسرار الملك الحقيقي.. فالملك الحقيقي هو الذي له السلطة المطلقة على الأكوان جميعا.. وفي جميع الأوقات.. وليس على ثلة محدودة من الناس.. في بقعة محدودة من الأرض.. في حيز محدود من الزمان.

لقد أشار القرآن إلى هذا في الآيات التالية لهذه الآية.. فقد ورد فيها:{ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27) (آل عمران)

ففي هذه الآية والتي قبلها يخبرنا ربنا بأنه يعز من يشاء، ويذل من يشاء بلا معقب على حكمه، وبلا مجير عليه، وبلا راد لقضائه، فهو صاحب الأمر كله بما أنه – سبحانه – هو الله.. وما يجوز أن يتولى هذا الاختصاص أحد من دون الله.

ويخبرنا أنه صاحب هذه الحركات الخفية المتداخلة.. حركة إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل; وإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي.. الحركة التي تدل على يد الله بلا شبهة ولا جدال، متى ألقى القلب إليها انتباهه، واستمع فيها إلى صوت الفطرة الصادق العميق.

وتخبرنا الآية الكريمة أن الله هو الرزاق الذي يتولى جميع الخلائق برزقه، ويمن عليه بفضله وتدبيره.

وفي موضع آخر يخبرنا القرآن الكريم عن قصة إبراهيم u مع ملك من ملوك الأرض أغراه ملكه، فتوهم لنفسه الألوهية، فحاجة إبراهيم u بالقدرة التي يعجز عن مثلها.. لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)} (البقرة)

انظر كيف حاج إبراهيم u هذا الملك.. وهي حجة ينهار لها كل ملك من ملوك الأرض..

فليس هناك من الملوك من له القدرة على صرف الأذى عن نفسه، أو جلب ما يريد لها من نفع.. ولذلك توجهنا نصوصنا المقدسة إلى الاعتماد على الله باعتباره الملك الحقيقي..

ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يخاطب غلاما صغيرا.. يبين له من خلاله تجليات الملك الإلهي، والتي تجعله الحصن الوحيد الذي يلجأ إليه المحتاجون.. لقد قال له:(يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ اللَّه يحفظك، احفظ اللَّه تجده تجاهك، إذا سألت فسأل اللَّه، وإذا استعنت فاستعَنْ باللَّه، واعلم أن الأمة لو اجتمعت عَلَى أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللَّه لك، وإن اجتمعوا عَلَى أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللَّه عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)([5])، وفي رواية:( احفظ اللَّه تجده أمامك، تعرف إِلَى اللَّه في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)

***

بعد أن حدثني عن هذه المعاني وغيرها تحركت في همة لست أدري سببها للتعرف على ربي.. ربي الذي يدل عليه كل شيء.. فقلت له: إن لحديثك متعة لا تدانيها متعة.

قال: ذلك – يا جناب الملك المكرم – لكونه حديثا عن الله.. فالله قد أودع في جميع الفطر محبته، ومحبة الحديث عنه.

قلت: فما بالنا نغفل عنه.. بل نكاد نلغيه من الوجود.

قال: هي نفوسنا التي تطالبنا أن نكون آلهة.. ولو أنا تخلصنا من حجب نفوسنا لما كان هناك شيء أحب إلينا من الحديث عنه أو الحديث إليه..

لقد قال الصالحون يذكرون ذلك، ويوازنون بينه وبين اللذات التي تعب في تحصيلها الملوك: (لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف)

قلت: فحدثني عن ربي.. حدثني عن هذا الملك العظيم الذي لم نؤت الملك إلا منه وبه.

قال: اذكر لي – يا جناب الملك المكرم – ما يحتاجه الملك من صفات وقدرات.. وسأذكر لك علاقتها بالله.. فقد جعل الله لنا بفضله وكرمه النماذج المعرفة به من خلال هذه المملكة البسيطة التي نعيش فيها.

1 ـ الكبير المتعال

قلت: من صفات الملك أن يكون له من الكبرياء والعظمة ما يملأ العيون، وتخضع له القلوب، ولا يطمع في الوصول إليه طامع..

قال: وكل هذا لا يمكن أن يتصف ملك من الملوك إلا ملك الملوك.. وقد وفى للدلالة على ما ذكرته اسمان من أسماء الله الحسنى، هما (الكبير)، و(المتعال).. وقد وردا مقترنين في قوله تعالى:{ اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ (9)} (الرعد)

الكبير:

قلت: فحدثني عن اسمه (الكبير)

قال: لقد ذكر هذا الاسم، في القرآن.. فقد ورد مقترنا بالمتعال، كما ورد مقترنا بالعلي، قال تعالى:{ إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالحُكْمُ لِلهِ العَلِيِّ الكَبِيرِ (12)} (غافر)

قلت: فما معنى هذا الاسم؟

قال: لا يكون الكبير كبيرا إلا إذا اكتمل وجوده، فلم يكن به أي نقص أو قصور..

قلت: فمن هو كامل الوجود؟

قال: لا يكمل الوجود إلا بشيئين: أن يكون دائما لا انقطاع له.. وأن يكون ذاتيا لا تبعية له.

فكل وجود مقطوع بعدم سابق أو لاحق فهو ناقص.. ولذلك يقال للإنسان إذا طالت مدة وجوده إنه كبير، أي كبير السن، طويل مدة البقاء.

وهذان المعنيان للكبير لا يصدقان إلا على الله.. فالله هو الكبير الحقيقي، فهو دائم الوجود أزلا وأبدا.. ووجوده هو الوجود الذي يصدر عنه وجود كل موجود.. فإن كان الذي تم وجوده في نفسه كاملا وكبيرا، فالذي حصل منه الوجود لجميع الموجودات أولى أن يكون كاملا وكبيرا.

قلت: فما علاقة هذا الاسم بتدبير المملكة الإلهية؟

قال: المملكة الحقيقية لا يديرها إلا الكبير الحقيقي.. ذلك أن كمال العدل وكمال الرحمة لا تتمان إلا من خلال ملك لا تفنيه الأيام، ولا يستبد به الضعف، ولا يتسلل إلى طاقاته القصور.

المتعال:

قلت: صدقت في هذا.. فحدثني عن اسمه (المتعال)

قال:لقد ذكر الله تعالى هذا الاسم في القرآن كما ذكره في كتبه المقدسة السابقة عليه، ففي القرآن، قال تعالى:{ اللهُ الذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَل مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)} (الروم)

قلت: فما معنى هذا الاسم؟

قال: المتعال هو الذي لا رتبة فوق رتبته.. بل جميع المراتب منحطة عنه..

قلت: ما تعني بذلك؟

قال: إن المتعال مشتق من العلو.. والعلو هو المقابل للسفل.. وهو إما في درجات محسوسة كالدرج والمراقي وجميع الأجسام الموضوعة بعضها فوق بعض.. وإما في الرتب المعقولة للموجودات المرتبة نوعا من الترتيب العقلي.

فكل ما له الفوقية في المكان فله العلو المكاني.. وكل ما له الفوقية في الرتبة فله العلو في الرتبة.

قلت: ما تعني بهذا؟

قال: إن العلو يطلق على التدريجات العقلية كما يطلق على التدريجات الحسية..

قلت: ما تعني بهذا؟

قال: إذا قدرت شيئا سببا لشيء ثان، والثاني سبب لثالث، والثالث لرابع إلى درجات كثيرة.. فالواقع في الرتبة الأخيرة – مثلا – هو الأسفل الأدنى، والأول واقع في الدرجة الأولى من السببية فهو الأعلى، ويكون الأول فوق الثاني فوقية بالمعنى لا بالمكان.

وهكذا في التفاوت الذي بين العلة والمعلول، والفاعل والقابل، والكامل والناقص..

قلت: وعيت هذا.. فما تريد به؟

قال: إن الله تعالى منزه عن أن يحده المكان، فلذلك لا يراد بعلوه ما نفهمه من علو الكائنات علوا حسيا بعضها فوق بعض.. بل المراد به ما هو أشرف من ذلك وأعظم، وهو أن الموجودات لا يمكن قسمتها إلى درجات متفاوتة في العقل إلا ويكون الحق سبحانه وتعالى في الدرجة العليا من درجات أقسامها، حتى لا يتصور أن يكون فوقه درجة، وذلك هو العلي المطلق، وكل ما سواه فيكون عليا بالإضافة إلى ما دونه، ويكون دنيا أو سافلا بالإضافة إلى ما فوقه.

قلت: فهلا وضحت لي هذا بمثال يقربه لي.

قال: من الأمثلة على ذلك أن العقل يقتضي انقسام الموجودات إلى ما هو سبب وإلى ما هو مسبب، والسبب – كما تعلم – فوق المسبب فوقية بالرتبة.. ومن هذا الباب، فإن الفوقية المطلقة ليست إلا لمسبب الأسباب.

والموجودات تنقسم كذلك إلى ميت وحي.. والحي ينقسم إلى ما ليس له إلا الإدراك الحسي، وهو البهيمة، وإلى ما له مع الإدراك الحسي الإدراك العقلي.. والذي له الإدراك العقلي ينقسم إلى ما يعارضه في معلوماته الشهوة والغضب، وهو الإنسان، وإلى ما يسلم إدراكه عن معارضة المكدرات.. والذي يسلم ينقسم إلى ما يمكن أن يبتلى به، ولكن رزق السلامة كالملائكة، وإلى ما يستحيل ذلك في حقه وهو الله تعالى..

وهكذا ففي أي تقسيم من تقسيمات العقول نجد لله تعالى المرتبة التي ليس فوقها مرتبة.

قلت: فما علاقة هذا الاسم بتنظيم المملكة الربانية؟

قال: لا تستقيم المملكة إلا بملك قد حاز من الرتب أعلاها.. فلا ينافسه في كماله منافس، ولا يتطلع إلى جلاله متطلع.

2 ـ العزيز الحكيم

قلت: وعيت هذا.. فحدثني عن غيره.

قال: أليس من صفات الملك أن يكون عزيزا حكيما؟

قلت: أجل.. هاتان صفتان لا يستقيم الملك ولا يكمل إلا بهما.. فالملك الحقيقي لابد له من العزة بجميع معانيها، كما لا بد له من الحكمة بجميع مراتبها.

قال: فقد ذكرت الكتب المقدسة أن الله هو العزيز الحكيم.. بل قرنت بينهما في مواطن كثيرة.

العزيز:

قلت: فحدثني عن (العزيز)

قال: لقد ذكر هذا الاسم في القرآن كما ورد ذكره في الكتاب المقدس..

أما القرآن، فقد ورد فيه قوله تعالى:{ هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} (الحشر)

وقال:{ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (6)} (آل عمران)

وقال:{ شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو العِلمِ قَائِماً بِالقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (18)} (آل عمران)

وقال:{ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الليْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ (96)} (الأنعام)

وقال:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلهِ العِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)} (فاطر)

وقال:{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ (181) وَالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ (182)} الصافات)

قلت: ففسره لي.

قال: العزيز يطلق على معان كثيرة كلها كمال، سأقتصر منها على أربع.

قلت: فما أولها؟

قال([6]): هو الخطير الذي يقل وجود مثله، وتشتد الحاجة إليه، ويصعب الوصول إليه.. فما لم يجتمع عليه هذه المعاني الثلاثة لم يطلق عليه اسم العزيز.. فكم من شيء يقل وجوده، ولكن إذا لم يعظم خطره، ولم يكثر نفعه لم يسم عزيزا، وكم من شئ يعظم خطره، ويكثر نفعه، ولا يوجد نظيره ولكن إذا لم يصعب الوصول إليه لم يسم عزيزا، كالشمس مثلا فإنه لا نظير لها، والأرض كذلك والنفع عظيم في كل واحد منهما، والحاجة شديدة إليهما، ولكن لا يوصفان بالعزة لأنه لا يصعب الوصول إلى مشاهدتهما.

ثم في كل واحد من المعاني الثلاثة كمال ونقصان.. فالكمال في قلة الوجود أن يرجع إلى واحد إذ لا أقل من الواحد، ويكون بحيث يستحيل وجود مثله، وليس هذا إلا الله تعالى، فإن الشمس وإن كانت واحدة في الوجود فليست واحدة في الإمكان، فيمكن وجود مثلها في الكمال والنفاسة.

وشدة الحاجة أن يحتاج إليه كل شيء حتى في وجوده وبقائه وصفاته وليس ذلك على الكمال إلا لله عز وجل.

 والكمال في صعوبة المنال أن يستحيل الوصول إليه على معنى الإحاطة بكنهه، وليس ذلك على الكمال إلا لله عز وجل، فلا يعرف الله إلا الله، فهو العزيز المطلق الحق لا يوازيه غيره.

قلت: وعيت هذا.. فما المعنى الثاني؟

قال: المعنى الثاني للعزيز هو الغالب الذي لا يُغلب، ولهذا تقول العرب في أمثلتها: من عز بز، أي مَنْ انتصر أخذ ما راق له.. وعلى هذا قوله تعالى:{ وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)} (ص) أي غلبني في الخطاب.. فالقاهر الذي انتصر مع أنه قد يغلب ويقهر يسمى عزيزا، فكيف بالقاهر الذي لا يمكن أن يغلب.. وذلك هو الله، فهو وحده العزيز الذي لا يغلب بحال من الأحوال، قال تعالى:{ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)} (يوسف)، وقال:{ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)} (التوبة)

قلت: وعيت هذا.. فما المعنى الثالث؟

قال: المعنى الثالث هو القوي الشديد.. ومنه قوله تعالى:{ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)} (يس)، أي قويناهم وشددناهم بثالث.. فإذا كان القادر الذي قد يضعف يسمى عند الناس عزيزا، فكيف بالقادر الذي يستحيل أن يضعف.. وليس ذلك إلا الله تعالى.

قلت: وعيت هذا.. فما المعنى الرابع؟

قال: المعنى الرابع، هو بمعنى الُمِعز، فنحن نقول: الأليم، ونقصد المؤلم.. ولهذا، فلا عزيز إلا من أعزه الله:

الحكيم:

قلت: فحدثني عن (الحكيم)

قال: لقد ذكر هذا الاسم في القرآن ، فقد قال تعالى:{ وَمَا أَرْسَلنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (4)} (إبراهيم)

وقال:{ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ (9)} (النمل)

قلت: ففسره لي.

قال: الحكيم هو ذو الحكمة..

قلت: فما الحكمة؟

قال: للحكمة معنيان: معنى علمي، ومعنى عملي..

أما المعنى العلمي، فهو معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم.. وأجل الأشياء هو الله سبحانه وتعالى، ولا يعرف كنه الله غير الله، ولذلك فهو الحكيم الحق لأنه يعلم أجل الأشياء بأجل العلوم.. إذ أجل العلوم هو العلم الأزلي الدائم الذي لا يتصور زواله المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليها خفاء ولا شبهة، ولا يتصف بذلك إلا علم الله سبحانه وتعالى.

وأما المعنى العملي، فإنه يقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويحكمها ويتقن صنعتها حكيم، وكمال ذلك – أيضا – ليس إلا لله تعالى فهو الحكيم الحق الذي دل على حكمته كل شيء.

والله بعد ذلك كله هو صاحب الحكمة، فهو يعطيها لمن يشاء، وينزعها ممن يشاء، قال تعالى:{ يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلبَابِ (269)} (البقرة)، وقال:{ إِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ (48)} (آل عمران)

3 ـ المولى النصير

قلت: وعيت هذا.. فحدثني عن غيره.

قال: أليس من صفات الملك أن يكون مولى يفزع إليه، ونصيرا يستنجد به؟

قلت: أجل.. هاتان صفتان لا يستقيم الملك ولا يكمل إلا بهما.. فالملك الحقيقي هو من فزعت إليه رعيته، واستنجد به المستضعفون منهم.

قال: وهذان الوصفان لا ينطبقان حقيقة إلا على الله.

المولى:

قلت: فحدثني عن اسمه (المولى)

قال: لقد ذكره القرآن الكريم،  قال تعالى:{ وَإِنْ تَوَلوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)} الأنفال)، وقال:{ إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلى الصَّالِحِينَ (196)} (الأعراف)

قلت: فحدثني عن معناه.

قال: المولى هو الذي كلما افتقرت إليه وجدته أقرب إليك منك.. فهو يرحمك، وينصرك، ويرزقك، ويعطيك ما سألته، وما لم تسأله.

وهو أعلم بك منك، فلذلك لا يعطيك إلا ما ينفعك، ولا يهديك إلا إلى ما يرفعك.

النصير:

قلت: إن هذا لعظيم.. فحدثني عن اسمه (النصير)

قال: لقد ذكره القرآن الكريم، ففيه:{ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ (250)} (البقرة)

قلت: فحدثني عن معناه.

قال: من كان له أعداء فإنه يحتاج إلى النصير..

قلت: وهل هناك من لا عدو له.. حتى الإنسان مع نفسه، فإن له عدوا بين جنبيه لا طاقة له بمقاومته.

قال: ولذلك كان الله هو النصير الوحيد الذي ينصرك من كل عدو، ويحفظك من كل بلاء، ويعينك على كل هم.

4 ـ المعطي المعين

قلت: وعيت هذا.. فحدثني عن غيره.

قال: أليس من صفات الملك أن يعطي من احتاج، وأن يعين من ضعف وعجز؟

قلت: أجل.. لا يكمل الملك إلا بذلك.

قال: فالله هو المعطي المعين.. فلا شيء إلا من عطائه، ولا شيء إلا بإعانته.

المعطي:

قلت: فحدثني عن اسمه (المعطي)

قال: لقد ورد ذكره في القرآن الكريم، ففيه:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20)} (الإسراء)

قلت: ففسره لي.

قال: المعطي سبحانه وتعالى هو الذي أعطى كل شيء خلقه، وتولى أمره ورزقه في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى عن موسى uوهو يصف عطاء ربه: { قَالَ رَبُّنَا الذِي أَعْطَى كُل شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } (طه:50)، وقال عن عطاء الآخرة:{ وَأَمَّا الذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاء رَبك عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (هود:108)

وعطاء الله قد يكون عاما أو خاصا، فالعطاء العام يكون للخلائق أجمعين، والعطاء الخاص يكون للأنبياء والمرسلين وصالح المؤمنين، فمن العطاء العام ما ورد في قوله تعالى:{ كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } (الإسراء:20)، والمراد بالعطاء هنا تمكين العبد من الفعل ومنحه القدرة والاستطاعة، كل على حسب رزقه أو قضاء الله وقدره.

ومن العطاء الخاص استجابة الدعاء وتحقيق مطلب الأنبياء والصالحين الأولياء، ومن ذلك الدعاء والعطاء في قول سليمان u:{ رَبِّ اغفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلكا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُل بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَو أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (ص:39)، وكذلك في دعاء زكريا u حيث قال:{ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً } (مريم:5)، فحقق الله – عز وجل – مطلبه وأعطاه ما تمناه فقال:{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً } (مريم:7)، وقال عن عطائه للمؤمنين في الآخرة:{ جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً } (النبأ:36)

المعين:

قلت: إن هذا لعظيم.. فحدثني عن اسمه (النصير)

قال: لقد ذكره القرآن الكريم، ففيه:{ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَل سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)} (يوسف)

وقال:{ قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)} (الأنبياء)

قلت: ففسره لي.

قال([7]): أليس كل عمل يعمله الإنسان تتوقف ثمرته ونجاحه على حصول الأسباب التي اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون مؤدية إليه، وانتفاء الموانع التي من شأنها بمقتضى الحكمة أن تحول دونه؟

قلت: أجل.. ما تقوله صحيح.

قال: فإن الله تعالى مكن الإنسان بما أعطاه من العلم والقوة من دفع بعض الموانع وكسب بعض الأسباب، وحجب عنه البعض الآخر ليبقى له من الحاجة ما يدعوه إلى التعرف إلى مولاه ليستعين به عليه.

قلت: سمعتك تردد كثيرا في صلاتك هذه العبارة:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} (الفاتحة).. فما تريد بها؟ ولم جمعت بين العبادة والاستعانة؟

قال: هذه كلمات من كلمات الله علمنا الله فيها كيف نناجيه وندعوه.. وهي تعلمنا أن نلجأ إلى الله في كل حالة حتى في عبادتنا له.. فلا يعبد الله من لم يعنه الله.

قلت: كيف ذلك؟

قال: لقد دل العقل والنقل على أنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله.

قلت: فاذكر لي دليل العقل.

قال([8]): لقد دل العقل على هذا من وجوه: منها أن القادر متمكن من الفعل والترك على السوية، فما لم يحصل المرجح لم يحصل الرجحان، وذلك المرجح ليس من العبد، وإلا لعاد في الطلب، فهو من الله تعالى، فثبت أن العبد لا يمكنه الإقدام على الفعل إلا بإعانة الله.

ومنها أن جميع الخلائق يطلبون الدين الحق والاعتقاد الصدق مع استوائهم في القدرة والعقل والجد والطلب، ففوز البعض بدرك الحق لا يكون إلا بإعانة معين، وما ذاك المعين إلا الله تعالى، لأن ذلك المعين لو كان بشراً أو ملكاً لعاد الطلب فيه.

ومنها أن الإنسان قد يطالب بشيء مدة مديدة ولا يأتي به، ثم في أثناء حال أو وقت يأتي به ويقدم عليه، ولا يتفق له تلك الحالة إلا إذا وقعت داعية جازمة في قلبه تدعوه إلى ذلك الفعل، فإلقاء تلك الداعية في القلب وإزالة الدواعي المعارضة لها ليست إلا من الله تعالى، ولا معنى للإعانة إلا ذلك.

قلت: فاذكر لي دليل النقل.

قال: لقد قال تعالى على لسان موسى u مخاطبا لقومه:{ استعينوا بالله واصبروا إِنَّ الارض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ } ( الأعراف: 128)

وقد ورد في بعض الآثار الإلهية قوله تعالى: (وعزتي وجلالي، لأقطعن أمل كل مؤمل غيري باليأس، ولألبسنه ثوب المذلة عند الناس، ولأخيبنه من قربي، ولأبعدنه من وصلي، ولأجعلنه متفكراً حيران يؤمل غيري في الشدائد والشدائد بيدي، وأنا الحي القيوم، ويرجو غيري ويطرق بالفكر أبواب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني)

5 ـ الرزاق الطبيب

قلت: وعيت هذا.. فحدثني عن غيره.

قال: أليس من صفات الملك أن يرزق رعيته ويغنيهم عن كل فاقة، ويزيد على ذلك، فيوفر لكل من مرض منهم ما يحتاجه من دواء؟

قلت: أجل.. لا يكمل الملك إلا بذلك.. وما ذكرته هو من الخدمات الأساسية التي لا تستقيم المملكة من دونها.

قال: فالله هو الرزاق الطبيب.. فلا رزق إلا منه، ولا شفاء إلا به.

الرزاق:

قلت: فحدثني عن اسمه (الرزاق)

قال: لقد ورد ذكره في القرآن الكريم، فقد قال تعالى:{ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ (60)} (العنكبوت)

وقال:{ قُل مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُل أَفَلا تَتَّقُونَ (31)} (يونس)

قلت: ففسره لي.

قال([9]): لو تأملنا الحقيقة والواقع، فإنا سنرى أنه لا رزق إلا من الله، وكل رزق من سواه فهو مجاز لا حقيقة له:

فالله تعالى إذا رزق يرزق مما هو ملكه.. أما الآخرون، فهم ليسوا سوى وسائط للرزق الإلهي.. ولا يحق اسم الرزاق إلا ممن يرزق مما هو ملكه.

والله تعالى يرزق جيمع أنواع الرزق المادية والمعنوية والدنيوية والأخروية، والظاهرية والباطنية، والعلنية والخفية، أما غيره، فهو إن إنما يعطي غيره عطاء محدودا من جميع النواحي.

والله تعالى يأخذ بعين الاعتبار حاجة العباد عند تقدير أرزاقهم، ويرزقهم بما يناسب أحوالهم، لأنه عليم بأسرار المرتزقين الظاهرة والباطنة، أما غيره، فعلمه يحول بينه وبين ذلك.

والله تعالى هو الرزاق الذي لا تنفد خزائنه أبدا، لأن خزائن كل الأشياء بيده، كما قال تعالى:{ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) } (الحجر)، في حين يتصف الآخرون بالمحدودية التامة من هذه الجهة، كما يتصفون بالمحدودية في غيرها.

والله تعالى هو الرازق الذي يتناول من مائدته الصديق والعدو، فجميعهم يتزودون من نعمته بمقتضى كونه الرحمن الرحيم.. لكن غيره لا يفكرون سوى بأصدقائهم وأقاربهم.

والله تعالى لا ينتظر لقاء عطائه وإنعامه جزاء ولا شكورا، لانه غني من كل ناحية، لكن غيره ينتظرون ألف لون من قبيل ذلك.

والله تعالى واسع الرزق شامله يبدأ منذلحظة انعقاد النطفة في عالم الرحم، ويستمر طيلة مرحلة وجود الجنين في بطن أمه، وبعد الولادة من خلال حليبها وحنانها، وحتى لحظات الموت الأخيرة.. وليس ذلك إلا لله.. ولذلك قال تعالى عند ذكر دعاء المسيح u بنزول المائدة:{ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)} (المائدة)

الطبيب:

قلت: وعيت هذا.. فحدثني عن اسمه (الطبيب)

قال: لقد ورد ذكره في القرآن الكريم، فقد قال تعالى:{ أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)} (التوبة)

قلت: ما يعني هذا؟

قال: الله تعالى هو الشافي الذي يرفع البأس والعلل، ويشفي العليل بالأسباب والأمل، فقد يبرأ الداء مع انعدام الدواء، وقد يشفي الداء بلزوم الدواء، ويرتب عليه أسباب الشفاء، وكلاهما باعتبار قدرة الله سواء، فهو الشافي الذي خلق أسباب الشفاء، ورتب النتائج على أسبابها، والمعلولات على عللها، فيشفي بها وبغيرها، لأن حصول الشفاء عنده يحكمه قضاؤه وقدره، فالأسباب سواء ترابط فيها المعلول بعلته، أو انفصل عنها، هي من خلق الله وتقديره، ومشيئته وتدبيره، والأخذ بها لازم علينا من قبل الحكيم سبحانه، لإظهار الحكمة في الشرائع والأحكام، وتمييز الحلال من الحرام.

6 ـ المؤمن الرقيب

قلت: وعيت هذا.. فحدثني عن غيره.

قال: أليس من صفات الملك أن أن يأمنه الناس على أنفسهم وأموالهم فلا يظلمون عنده.. وإذا ظلموا سرعان ما يقتص من ظالميهم.. وأنه يطلع على جميع شؤون المملكة، فيعرف جميع شؤونها وأحوالها، فيميز العادل من الظالم، والطيب من الخبيث؟

قلت: أجل.. لا يكمل الملك إلا بذلك.. وما ذكرته هو من الخدمات الأساسية التي لا تستقيم المملكة من دونها.

قال: فالله هو المؤمن الرقيب.. فلا أمان إلا منه، وهو الرقيب الذي أحاط علما بكل شيء، فلا يعزب عنه شيء دق أو جل.

المؤمن:

قلت: فحدثني عن المؤمن.

قال: لقد ورد ذكره في القرآن الكريم، قال تعالى:{ هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} (الحشر)

قلت: فحدثني عنه.

قال: المؤمن هو الذي يوفر لك من الأمن والأمان ما يجعلك بمأمن من كل عدو ظاهر أو خفي.. وليس ذلك إلا ربك.. لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال ذاكرا نعمته على قريش:{ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)} (قريش)، وقال ضاربا المثل بقرية من القرى الظالمة:{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)} (النحل)

قلت: ولكنا نشعر بأنواع من المخافة؟

قال: إنما سلط الله علينا بعض المخاوف لنبحث عنه، فلا يمكن أن يؤمننا من المخاوف غيره.. لقد ذكر الله ذلك، فقال:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} (البقرة)

قلت: فإذا لجأ إلى الله؟

قال: من لجأ إلى الله، فسيشعر بالأمن الحقيقي.. الأمن الذي لا تستطيع أي جهة في الدنيا أن توفره.. لقد ذكر الله ذلك، فقال:{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} (البقرة)، وقال:{ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)} (البقرة)،

قلت: ولكن هؤلاء الذين ذكرتهم يشعرون بنفس المخاوف التي يشعر بها غيرهم؟

قال: شتان بينهما، فالمؤمن إذا خاف يكون خوفه محدودا.. وهو يخاف، ويعلم أن الله سينصره لا محالة.. ولذلك لا تراه يخاف إلا الله.. لقد ذكر الله ذلك، فقال مخبرا عن مقالة السحرة في تحديهم لفرعون:{ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)} (طه)

الرقيب:

قلت: فحدثني عن الرقيب.

قال: لقد ورد ذكره في القرآن الكريم، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)} (النساء)

قلت: ففسره لي.

قال: إن الله العليم السميع البصير لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء.. بل لا يغيب عنه السر وأخفى.. ومن كان كذلك فهو أولى باسم الرقيب من كل رقيب:

لقد ذكر الله تعالى ذلك، ونبه عباده إليه، فقال:{ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المجادلة،7)، وقال:{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} (ق)، وقال:{ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) } (الملك)، وقال:{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} (يونس)، وقال:{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)} (الأنعام)، وقال مخبرا عن موعظة لقمان u لابنه:{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)} (لقمان)

قلت: لاشك أن من يعلم هذا سيحجز عن شر كثير.

قال: أجل.. ولهذا، فإن شعور المؤمن برقابة ربه لا يحوجه إلى أي شرطي أو قوانين تحد من حريته الجامحة.

7 ـ الحكم العدل

قلت: ما أعظم تأثير هذا في الإصلاح الاجتماعي.. فحدثني عن غيره.

قال: أليس من صفات الملك أن يكون حكما بين رعيته إليه ترجع في أحكامها وقوانينها وفصل خصوماتها.. ويكون له في نفس الوقت من العدل ما يحمي به أحكامه من طغيان الجائرين، وتعسف الظالمين.

قلت: ذلك صحيح.. ولا يستقيم الملك العادل إلا بما ذكرت.

قال: ولذلك، فإن من أسماء الله الحسنى (الحكم العدل)

الحكم:

قلت: فحدثني عن الحكم.

قال: لقد ورد ذكره في القرآن الكريم، قال تعالى:{ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالذِي أُرْسِلتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ (87)} (الأعراف)

قلت: ففسره لي.

قال([10]): أنت تعلم – حضرة الملك- أنّ تنظيم شؤون المجتمعات البشرية بحاجة إلى ثلاث سلطات (السلطة التشريعية).. وهي السلطة التي تتكفّل بسنّ القوانين الكفيلة بحفظ النظام في المجتمع والمنع من إضاعة الحقوق، و(السلطة التنفيذية) التي تنفّذ ما صادقت عليه السلطة التشريعية وتتولاّها عادةً الحكومات والوزراء والدوائر الحكومية.. و(السلطة القضائية)، وهي المسؤولة عن معاقبة المتخلّفين عن القانون والمجرمين والمعتدين.

قلت: أجل.. فكل الحكومات تحتوي على هذه السلطات الثلاث، وهي تختلف فيما اختلافا شديدا.

قال: في رؤيتنا التوحيدية التي علمنا إياها كتابنا المقدس نرى أن هذه السلطات الثلاثة لا تستمد إلا من الله([11])، فالله هو الذي شرّع القوانين، وهو الذي يجيز تشكيل الحكومات وتنفيذ القوانين، وهو الذي يمنح الشرعية لعمل القضاة، وعليه فانّ هذه السلطات الثلاث لابدّ أن تستمدّ شرعيتها عن طريق الإذن الإلهي طبق الشرائط والأوامر.

لقد ذكر القرآن هذا في مواضع كثيرة.. فالله تعالى يقول:{ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} (المائدة)، ويقول:{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (النساء)، ويقول:{ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)} (الأنعام).. وغيرها من الآيات الكثيرة.. وكلها تدل على أن الله – بحكم كونه ملكا على عباده – هو الحاكم عليهم، فلا يحق لعبد أن يتصرف في مملكة ربه مخالفا لأحكامه.

ليست النصوص المقدسة وحدها من دل على هذا.. حتى العقل السليم يدل عليه..

فلا شكّ أنّ كلّ عارف بالله مقرّ بتوحيده يذعن بنفاذ أمر الله في عالم الوجود، وعندما يتقبّل حاكميته على عالم الوجود فإنّه سوف لا يتردّد في ولايته وحكومته التشريعية، لأنّه حينما يكون هو الخالق والمالك والمدير فغيره لا يكون أهلا للتشريع، ولا يتمكّن من وضع قوانين تنسجم مع نظام التكوين والخلق.

وهكذا عندما يكون هو الخالق والمدبّر فإنّه هو الذي يجب أن يحكم على العباد ويقضي في الاختلافات، وبدونه سيكون هناك تدخل في نطاق مالكية الله عزّوجلّ وتدبيره بدون إذنه.

بالإضافة إلى هذا، فإن القانون الصحيح هو القانون الذي ينسجم مع التركيب الجسمي للإنسان وروحه ويلبّي حاجاته الماديّة والمعنوية، ولا يترك آثاراً سلبية في فترة زمنية قصيرة أو طويلة، ويكون ذا ضمان تنفيذي كاف وذا تقبّل وإنشداد في المجتمع الإنساني.. ولا يمكن أن يصدر هذا القانون إلا من خالق الإنسان العالم بحاجاته.

فالمشرِّعُ الحقيقي ينبغي أن يكون عالماً بالإنسان بصورة كاملة من جهة، وعالماً بالكون من جهة أخرى كي يلاحظ بدقّة العلاقات التي تربط الإنسان مع العالم الخارجي والداخلي، ويضع القوانين مضافاً إلى عدم وجود مصالح شخصية من وضع تلك القوانين.

وما نشاهده من اختلال كبير في القوانين البشرية فهو ناشئ من فقدان البشرية لمن يعرف الإنسان بجميع جزئياته الجسمية والروحية، ويعلم جميع القوانين والعلاقات التي تحكم العالم، فلا زالت تؤلّف الكتب الكثيرة من قبل المفكّرين تؤكد أن الإنسان مجهول لا يمكن معرفته معرفة شاملة حقيقية.. فإذا كانت معرفة الإنسان بنفسه إلى هذه الدرجة من الضعف فكيف تكون معرفته بالعالم الواسع؟

إضافة إلى هذا، فإن الإنسان محتاج إلى غيره، ولذلك نجد أنّ كلّ مجموعة تسنّ القوانين في إحدى المجتمعات البشرية تأخذ بنظر الإعتبار منافع تلك المجموعة أو الحزب.

إضافة إلى أن الإنسان غير مصون عن الخطأ والاشتباه، ولذا تكون القوانين البشرية عرضة للتغيّر المستمرّ، وذلك لظهور عيوبها ونقائصها وأخطائها بمرور الزمن.. نعم قد يبادر إلى إصلاحها، ولكن عيوبا أخرى تظهر.. وهكذا، ولهذا أصبحت المجالس التشريعية البشرية مختبرات تختبر فيها القوانين بشكل دائم، اختباراً لا طائل فيه، ولا نهاية له.

العدل:

قلت: وعيت هذا.. فحدثني عن اسمه (العدل)

قال: لقد ورد ذكره في القرآن الكريم، قال تعالى:{ وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49)} (الكهف)

قلت: ففسره لي([12]).

قال: إنك لو تأملت – حضرة الملك- في أفعال الله، فستجدها كلها جارية على سنن العدل والاستقامة، ليس فيها شائبة جور أصلاً، فهي كلها بين الفضل والرحمة، وبين العدل والحكمة.. وما ينزله سبحانه بالعصاة والمكذبين من أنواع الهلاك والخزي في الدنيا، وما أعده لهم من العذاب المهين في الآخرة، فإنما فعل بهم ما يستحقونه، فإنه لا يأخذ إلا بذنب، ولا يعذب إلا بعد إقامة الحجة، فهو سبحانه لا يأمرهم إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة، ولا ينهاهم إلا عما مضرته خالصة أو راجحة.

وهكذا هو سبحانه في حكمه بين عباده يوم فصل القضاء، كما قال تعالى:{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} (الأنبياء)

وهكذا هو سبحانه وتعالى في تسييره لشؤون الكون جميعا.. قال تعالى حاكيا قول هود u لقومه:{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (هود:56)

8 ـ الصبور الستير

قلت: ما أجمل ما تذكره عن إلهك وأعظمه.. فزدني.

قال: أليس الملك هو الذي يكون له من سعة الصدر ما يجعله لا يضيق كل حين على رعيته.. ويكون له مع ذلك الصبر من حسن الستر ما يتجاوز به عن بعض خطاياهم؟

قلت: أجل.. فلا يكون الملك ملكا إلا بهذا..

قال: وليس ذلك على كماله إلا لملك الملوك الله تعالى..  فهو وحده الصبور الستير.

الصبور:

قلت: فحدثني عن الصبور.

قال: لقد ورد ذكره في نصوصنا المقدسة، قال تعالى:{ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)} (يونس)

قلت: ففسره لي.

قال([13]): الصبور هو الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه، بل ينزل الأمور بقدر معلوم، ويجريها على سنن محدود، فلا يؤخرها على آجالها المقدورة لها تأخير متكاسل، ولا يقدمها على أوقاتها تقديم مستعجل، بل يودع كل شيء في أوانه، على الوجه الذي يجب أن يكون، وكما ينبغي أن يكون، وكل ذلك من غير مقاساة داع على مضادة الإرادة.

بخلاف صبر العبد، فإنه لا يخلو عن مقاساة، لأن معنى صبره هو ثبات داعي الدين أو العقل في مقابلة داعي الشهوة أو الغضب، فإذا تجاذبه داعيان متضادان فدفع الداعي إلى الإقدام والمبادرة ومال إلى باعث التأخير سمي صبورا، وإذ جعل باعث العجلة مقهورا.

أما باعث العجلة في حق الله تعالى فهو معدوم، ولذلك فهو أبعد عن العجلة ممن باعثه موجود، ولكنه مقهور.

الستير:

قلت: وعيت هذا.. فحدثني عن اسمه (الستير)

قال: لقد ورد هذا الاسم في نصوصنا المقدسة، ففي الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَليَسْتَتِرْ)([14])

قلت: فحدثني عنه.

قال: الستير سبحانه وتعالى هو الذي يستر عباده فلا يفضحهم، ويحب الستر، ويبغض القبائح، ويأمر بستر العورات، ويبغض الفضائح، ويستر العيوب على عباده وإن كانوا بها مجاهرين، ويغفر الذنوب مهما عظمت، وإذا ستر الله عبدا في الدنيا ستره يوم القيامة.

ولهذا لا يلجأ من طلب الستر إلا إليه، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)([15])

9 ـ القابض الباسط

قلت: ما أجمل ما تذكره عن إلهك وأعظمه.. فزدني.

قال: أليس الملك هو الذي بيده مقاليد جميع الأمور، فهو يقبض منها ما شاء، ويبسط منها ما شاء، لا معقب له في ذلك، ولا راد؟

قلت: أجل.. فلا يستقيم الملك لملك إلا بهذا.. بل إن الملوك تتنافس في الحصول على أكبر الصلاحيات التي تمكنها من كل هذا.

قال: وليس ذلك على كماله إلا لملك الملوك الله تعالى..  فهو وحده القابض الباسط.

القابض:

قلت: فحدثني عن القابض.

قال: لقد ورد ذكره في القرآن الكريم، قال تعالى:{ مَنْ ذَا الذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} (البقرة)

قلت: ففسره لي.

قال: القابِضُ سبحانه هو الذي يمسك الرزق وغيره عن العِبادِ بلطفه وحِكمته، ويَقبِضُ الأَرْواحَ عند المَمات بأمره وقدرته، ويُضَيِّقُ الأسباب على قوم كما يُوَسِّعها على آخرين ابتلاء وامتحانا.

ولذلك لا يلجأ إلا إليه، ولا يستعاذ إلا به، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في دعائه: ( اللهمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلاَ هَادِي لِمَا أَضْلَلتَ وَلاَ مُضل لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، وأعوذ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ منا)([16]

وكان يقول: (اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ)([17]

الباسط:

قلت: فحدثني عن الباسط.

قال: لقد ورد ذكره في القرآن الكريم، قال تعالى:{ اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ (26)} (الرعد)

وقال:{ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30)} (الإسراء)

وقال:{ اللهُ الذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)} (الروم)

قلت: ففسره لي.

قال: الباسط هو الذي يبسط لك من كل ألوان المواهب والكرم والفتح ما يغنيك به عن سؤال غيره.

وهو من يعطيك من ألوان العطايا الخالية عن الأعواض والأغراض([18])..

وهو الذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفي عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذ به والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء([19])..

وهو الذي ينفتح بعنايته كل منغلق، وبهدايته ينكشف كل مشكل، فتارة يفتح الممالك لأنبيائه ويخرجها من أيدي أعدائه، وتارة يرفع الحجاب عن قلوب أوليائه، ويفتح لهم الأبواب إلى ملكوت سمائه وجمال كبريائه([20])..

10 ـ الغفور الغيور

قلت: ما أجمل ما تذكره عن إلهك وأعظمه.. فزدني.

قال: أليس من صفات الملك أن يغار على حرماته أن تنتهك، وعلى مقدساته أن تداس.. ولكنه مع غيرته يسرع إلى المغفرة والعفو إن رأى فيمن انتهك الحرمة ذلة، أو أنس منه ندما؟

قلت: أجل.. فلا يستقيم الملك لملك إلا بهذا.. بل لا يكون الملك عادلا رحيما إلا إذا توفر فيه ذلك.

قال: وليس ذلك على كماله إلا لملك الملوك الله تعالى..  فهو وحده الغفور الغيور.

الغفور:

قلت: فحدثني عن الغفور.

قال: لقد ورد ذكره في القرآن الكريم، ففيه:{ (قُل يَا عِبَادِيَ الذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} (الزمر)

وفيه:{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)} (الحجر)

قلت: ففسره لي([21]).

قال: الغفور هو الذى لم يزل ولا يزال بالعفو معروفًا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفًا، فكل أحدٍ مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته، وكرَمه فإن اللَّه عز وجل وسعت رحمته كل شيء، ومغفرته أعظم من كل ذنب.

والغفور هو من يخاطب عباده بقوله: ( يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبُك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة)([22])

ويخاطبهم بقوله:{ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} (الزمر)

وهو الذي دعا إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله، ومن زعم أن عزيرًا ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة.. كلهم يخاطبهم بقوله:{ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} (المائدة)([23])

الغيور:

قلت: حدثتني عن الغفور.. فحدثني عن الغيور.

قال: لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن غيرة الله، فقال مخاطبا أمته: (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا)([24]

وقد ورد في القرآن الكريم الآيات الكثيرة الدالة على غيرة الله من أن تنتهك محارمه:

فقد قال متوعدا الكافرين الظالمين من عباده:{ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} (مريم)

وقال ردا على من زعم له الولد:{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} (مريم)

وقال متوعدا من سخر من نبيه صلى الله عليه وآله وسلم واستهزأ بكلامه:{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)} (المدثر)

وقال مخاطبا الجن والإنس:{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)} (الرحمن)

قلت: ففسره لي.

قال: لقد وضع الله في هذا الكون من القوانين المنظمة ما يحفظه ويملؤه بالعدل والرحمة والنظام.. ولذلك، فإن كل من انتهك حرمة هذا النظام، أو أساء التعامل مع عدل الله ورحمته نزل به ما ينزل بالمجرمين من أليم العقاب.

فمن لم يكن أهلا لرحمة الله ومغفرته كان أهلا لانتقامه وعقوبته، قال تعالى معرفا عباده به:{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)} (الحجر)

***

التفت إلينا صاحبنا (بيدرو الثاني)، وقال: هذا حديثي مع ذلك الرجل الفاضل والولي الصالح والملك العادل.. لقد عشت في رحاب كلماته أياما جميلة.. بل لا أكتمكم أني استفدت منها كثيرا في ترقيع ما تقطع من مملكتي، ووصل ما انخرم بيني وبين رعيتي.

لكني للأسف انشغلت بالاستفادة من الأسماء عن البحث عن المسمى.. ولولا أن الله الرحمن الرحيم تداركني بلطفه، فأعاد إلى ذاكرتي الساعة تلك الأيام الجميلة التي نعمت فيها بتلك الصحبة الشريفة لكنت الآن من الغافلين.


([1])  بيدرو الثاني (1825-1891م). تُوِّج ملكًا للبرازيل عام 1841م. وبالرغم من أنه كان ابن 15عامًا، إلا أنه أحكم السيطرة على مقاليد الحكم، وحاز تقديرًا واسعًا لفرط إنسانيته واعتداله.. واستطاعت البرازيل في سني حكمه أن تعاون الأرجنتين في التخلص من طاغيتها خوان مانويل دي روزاس. وفي عام 1867م قام بيدرو بفتح نهر الأمازون للتجارة الدولية.

وقامت حكومة بيدرو مابين 1871 و1888م باستصدار قوانين لتحريم تجارة الرقيق. وبذلك فقد الإمبراطور التأييد الذي كان يلقاه من كبار الملاك. وما لبث أن عزله الجيش من السلطة عام 1889م وأقام جمهورية. (انظر: الموسوعة العربية العالمية)

([2])  بيدرو الأول (1798-1834م). وهو أيضًا بيدرو الرابع للبرتغال، ابن الملك جون السادس ملك البرتغال. ولد بلشبونة. ولكنه هرب إلى البرازيل عام 1807م، مع العائلة المالكة خوفا من هجوم القوات الفرنسية. وأعلن وصيًّا على عرش البرازيل عام 1821م. وفي العام التالي أُعلنت البرازيل استقلالها وصار بيدرو إمبراطورًا لها في ظل دستورها الجديد. لكنه لم يقدر على مواصلة الحكم وفق الضوابط الدستورية، فتنحى عن الحكم وسلم السلطة لابنه بيدرو الثاني. (انظر: الموسوعة العربية العالمية)

([3])  أشير به إلى الاِمام الهادي إلى الحقّ المبين، أبي الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم ابن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. ولد بالمدينة المطهرة سنة 245هـ ، وحمل إلى جده القاسم فوضعه في حجره المبارك وعوّذه، وقال لابنه: بم سمّيته؟ قال: يحيى، وقد كان للحسين أخ يسمى يحيى توفي قبل ذلك، فبكى القاسم حين ذكره وقال: هو واللّه، يحيى صاحب اليمن. ـ إلى أن قال: ـ أقام اللّه به الدين في أرض اليمن وأحيا به رسوم الفرائض والسنن، فجدد أحكام خاتم النبيين، وآثار سيد الوصيين.

قيامه سنة 280هـ، وله مع القرامطة الخارجين عن الاِسلام نيف وسبعون وقعة كانت له اليد فيها كلها، ومع بني الحارث نيف وسبعون وقعة ـ إلى أن قال: ـ وخطب له بمكة المشرفة سبعة سنين كما ذكر ذلك في عمدة الطالب وغيره، وقبضه اللّه إليه شهيداً بالسم وهو في ثلاث وخمسين سنة ليلة الاَحد لعشر بقين من ذي الحجّة سنة 298هـ، ودفن يوم الاِثنين في قبره الشريف المقابل لمحراب جامعه الذي أسّسه بصعدة.

وهو مؤسس ما عرف بالدولة الهادوية التي حكمت خلال الفترة (284 – 1006 هـ)، وهو جد سلالة الرسيين التي حكموا اليمن في فترات متقطعة حتى عام 1962.( مجد الدين الموَيدي: شرح الزلف: 62 ـ 70 بتلخيص).

([4]) جاء اسم (الملك) في القرآن على وجوه متعددة، هي:

المالك: قال الله تعالى:﴿ مالك يَوْمِ الدين ﴾

الملك: قال تعالى:﴿ فتعالى الله الملك الحق ﴾ ( طه: 114)، وقال:﴿ هُوَ الله الذى لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك القدوس ﴾ ( الحشر: 23)، وقال:﴿ مَلِكِ الناس ﴾

وقد ورد لفظ (الملك) في القرآن أكثر من ورود لفظ (المالك)، وقد علل ذلك بأن الملك أعلى شأناً من المالك.

مالك الملك: ، قال تعالى:﴿ قُلِ اللهم مالك الملك ﴾ ( آل عمران: 26)

المليك: قال تعالى:﴿ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ ﴾ ( القمر: 55)

لفظ الملك: قال تعالى:﴿ الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن ﴾ ( الفرقان: 26)، وقال تعالى:﴿ لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض ﴾ ( البقرة: 107)

([5])   روا ه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

([6]) المقصد الأسنى للغزالي.

([7]) انظر: تفسير المنار.

([8]) انظر: التفسير الكبير.

([9])انظر: نفحات القرآن للشيرازي، عند تفسير قوله تعالى:﴿.. وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)﴾ (المائدة)

([10]) انظر: نفحات القرآن للشيرازي.

([11]) تحدثنا بتفصيل عن هذا في (عدالة للعالمين) من هذه السلسلة.

([12]) سنرى التفاصيل المرتبطة بهذا الاسم في فصل (العدل) من هذه الرسالة.

([13]) انظر: المقصد الأسنى، للغزالي.

([14]) رواه أبو داود.

([15])رواه أبو داود.

([16])رواه أحمد.

([17])رواه الترمذي.

([18]) من شرح الغزالي لاسم الوهاب، وهما متقاربان.

([19]) من شرح الغزالي لاسم الكريم، وهما متقاربان.

([20]) من شرح الغزالي لاسم الفتاح، وهما متقاربان.

([21]) انظر التفاصيل الكثيرة المرتبطة بهذا الاسم في رسالة (رحمة للعالمين).

([22])رواه الترمذي ، وقال: حديث حسن.

([23])من حديث موقوف على ابن عباس.

([24]) رواه البخاري.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *